أحمد العنزي
أفهم من العمل المؤسسي وحراك جمعيات النفع العام على أنها الصورة الإيجابية للتنظيم الاجتماعي بمعناه الواسع.
لكن هذا العمل في بلدنا يمر بتقلبات وتعتريه عوائق كثيرة وغريبة في الوقت نفسه، وما يجعل هذه العوائق تزداد أن أغلب المهتمين بالشأن العام لا يقفون وقفة جادة لغربلة وتصحيح وإعادة النظر في وضع هذه المؤسسات ودورها في المجتمع وأهميتها لدفع عملية التنمية في البلاد.
إن الاسم الآخر لمؤسسات المجتمع المدني مجتمعة هو «حكومة الظل» أي حكومة اجتماعية مدنية تقف جنبا إلى جنب مع الحكومة الرسمية أو السلطة التنفيذية وتساعدها في رسم سياسات الدولة وتطلعات أبنائها وتشاركها أيضا في صنع القرار، والسؤال المهم فيما يخص عمل مؤسسات المجتمع المدني هو كيف تصبح هذه المؤسسات جديرة بهذه المهمة أي جديرة بالعمل الاجتماعي والمدني وجديرة بأن تشكل بالفعل حكومة ظل قادرة على تقديم رؤى تنموية حقيقية.
أهم العوائق التي تقف حجر عثرة أمام مثل هذه المهام هو أن قانون العمل الأهلي التطوعي ـ كغيره من القوانين ـ والذي أكل عليه الدهر وشرب بقي دون أي تعديل يقفز بجمعيات النفع العام والنقابات ومراكز التطوع الأهلية إلى الأمام ويجعل منها مؤسسات مدنية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، بحيث يمكنها من تأدية دورها المطلوب والمنوط بها كمؤسسات تكون نموذجا لدولة مدنية عصريه تواكب عصر المعلوماتية.
فقانون العمل الأهلي الذي صدر في بداية الستينيات ـ ومع كل تقديري لواضعي هذا القانون ـ يحاكي مجتمعا كان يعيش في بداية مشواره التنظيمي والمدني، ومن الطبيعي أن يكون قانون العمل في ذلك الوقت محدودا بحدود متطلبات مجتمعنا في الستينيات، لذلك يعرف هذا القانون القديم الجديد مؤسسات وجمعيات النفع العام باعتبارها مبرات خيرية وأندية لشغل وقت الفراغ، لهذا السبب أصبحنا اليوم ننظر للناشط في الشأن العام على أنه ذلك الشخص الذي يبحث عن قتل وقت فراغه لا غير.
والإشكالية الحقيقية لهذا القانون القديم جعل اللوائح والقوانين الأساسية المنظمة لجمعياتنا والمؤسسات المدنية تحاكي هي أيضا حقبة الستينيات أي فرضت عليها صوره نمطيه تقليدية للعمل الأهلي وليس المجتمع المدني بمفهوم اليوم مما جعل هذه الجمعيات تستهلك وقتها وجهدها في أمور شكلية تتمثل في انتخابات مجالس إدارتها ورسم صورة بالية لهياكلها الإدارية بعيدة كل البعد عن ميدان العمل ومهام أعضائها وماهية الدور الذي يجب أن يلعبوه في المجتمع كمخططين ومستشارين ومتخصصين في العمل المدني وليس كناشطين أو هاوين فقط.
بالإضافة إلى بدائية هذا القانون يشكل عدم التنسيق والتواصل الحقيقي بين مؤسسات المجتمع المدني في الكويت عائقا آخر بحيث يجعل هذه المؤسسات عاجزة عن تحقيق أهدافها، وهذا ما يجعل الحاجة ملحة اليوم إلى تأسيس هيئة مستقلة تقوم بهذه المهمة بحيث تكون نواة ومركزا للمعلومات تساعد هذه المؤسسات على التواصل والتنسيق فيما بينها، فمن الصعوبات التي تواجه هذه المؤسسات صعوبة حصولها وامتلاكها للمعلومات الحقيقية والأكيدة حول القضايا التي تدافع عنها والتي تدخل في صميم عملها.
وأضيف إلى ذلك معضلة شائكة ومعقده وهي في اعتقادي العائق الحقيقي لتأسيس مجتمع مدني حقيقي وهي غياب العقلانية في العمل المؤسسي والذي بسببه تتحول جمعيات النفع العام والنقابات إلى حلبة صراع طائفي وقبلي.. والى آخر هذه القائمة، وهذا الصراع الأيديولوجي يجعل ـ بلا شك ـ هذه المؤسسات صورة لمجتمع بدائي فوضوي ويفرغ كلمة المجتمع المدني من مضمونها الحقيقي، فنحن نفهم من المدنية أنها سيادة القانون والعمل المنظم القائم على البرامج والأجندات التنموية التي لا نراها سوى في حديثنا المنمق وتحايلنا على اللغة فقط، أما على أرض الواقع فالأمر مختلف تماما، فالنفس السياسي حاضر بقوة ويطغى على العمل التنموي، والأسماء هي نفسها التي تقود مؤسساتنا المدنية، بل والأدهى من ذلك أن هذه الأسماء تورث أبناءها والمقربين منها قيادة هذه المؤسسات فلا يمكن ـ بل من المستحيل ـ تشييد دولة مدنية قائمة على فرز اجتماعي أو سياسي.
النتيجة التي أريد أن أصل إليها بسرد هذه المعطيات هي أن مؤسسات المجتمع المدني في بلدنا هي صوره طبق الأصل لإشكال ثقافي يتمثل في محدودية الذهنية التي تدير هذه المؤسسات وقائمة أيضا على إشكال اجتماعي يتمثل في الفرز العائلي والقبلي، بالإضافة إلى غرق هذه المؤسسات في الصراع السياسي والأيديولوجي حتى اخمص قدميها.