أحمد العنزي
وصلني عبر الإيميل البيان الثاني للجمعية الكويتية لحقوق الإنسان بخصوص الحريات وهو بيان خجول يدافع عن الحريات عن طريق فرض القانون مبررا ذلك بأن الاعتقالات الأخيرة ستجعل من المعتقلين أبطالا وهو ما يريد أن يقوله البيان على استحياء، أي بيان لسان حاله يقول، «مُكْره أخاك لا بطل».
وهذا البيان على الرغم من تأخره إلا انه يكشف عن خلل عميق في ثقافتنا ومرض عضال في خطابنا السياسي وهذا الخلل مفاده أن الأبطال تصنعهم السلطة فكل من يتعرض للملاحقة الأمنية يصبح في عقول الناس بطلا، والحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة فنحن أمه تقوم ثقافتها أصلا على فكرة الزعيم فإن لم يوجد فنحن نصنعه حتى لو لم يكن معارضا للسلطة ففكره الزعيم المخلص للأمة تتغلغل وتسكن بقوة اللاشعور العربي بشكل عام لذلك فأي ناشط تلاحقه أجهزة الأمن نتشدق به حتى لو قادنا هذا الشخص إلى الجحيم وهذه في تصوري مشكلة نفسية وليست سياسية، لذلك ظهر بيان جمعية حقوق الإنسان ليعبر عن هذه الأزمة النفسية ويعبر أيضا عن الخشية من اختطاف الزعامة لناشطين يعارضونهم أصلا في النهج والفكر لأن هذا البيان لا يدين قمع الحريات بحد ذاته انطلاقا من اعتبار الحرية كقيمة بذاتها.
وعلى كل حال لكي نكون عمليين نريد أن نطرح ونناقش هذا السؤال الجوهري: متى تكون الحرية مقبولة وضرورية؟ وسنوضح ذلك من خلال مناقشة فكرة العقد الاجتماعي التي تؤسس وتنظم العلاقة بين سيادة الدولة وممارسة الحرية.
تقوم نظرية العقد الاجتماعي (أو الدستور) على فرضية مهمة وهي أن التعاقد بين الحاكم والمحكوم ينطوي على أمرين جوهريين هما تنازل المحكوم، وبإرادته، عن بعض من حريته في مقابل صيانة الحاكم لحياة المحكوم وأمنه وحياته برمتها، وتأتي القوانين لتجسد هذه العلاقة بين حق الحاكم وحق المحكوم على السواء ومهمة القانون الحقيقية، في ظل نظرية العقد الاجتماعي هذه هي كبح جماح تسلط الحاكم من جهة ووضع حدود لحريات الأفراد من جهة أخرى فلو لم توجد سلطة تحدد صلاحيات الحاكم وترسم حدودها لكنا في هذه الحالة في دولة القمع والديكتاتورية بمعناها الواسع، وفي المقابل، فإن عدم وجود قوانين تنظم ممارسة الحريات وتقننها لكنا أيضا في هذه الحالة في دولة أو مجتمع فوضوي بمعنى الكلمة، لذلك فالدستور في هذه الحالة هو من أجل تخفيف حدة الطغيان من جهة وتنظيم للفوضى من جهة أخرى أي لا إفراط ولا تفريط بلغة أرسطو، وهو الميزان أو منزلة بين المنزلتين بلغة المعتزلة.
وفي هذا الإطار تكتسب الحرية وممارستها معناها المعقول والذي يتجسد في الحرية المسؤولة أي المبدأ البسيط والقائل «أنت حر ما لم تضر» بمعنى تكون حرا وتملك كل الحق في ممارسة حريتك عندما لا تكون لممارستك هذه أي أخطار تضر بك وبمجتمعك وبحيث لا يتحول المجتمع في الاستخدام المفرط واللامعقول للحرية إلى مجتمع فوضوي بدائي يسوده قانون الغاب، فحامل السلاح مثلا باسم الحرية هو بلاشك خطر على الناس ولا يسمى إلا إرهابيا يروع المجتمع ويهدد استقرار الدولة.