أحمد العنزي
أعتبر أن طرح قضية ازدواجية الجنسية يشكل أفضل مناسبة يجب ألا نفوتها لفتح هذا الملف على مصراعيه ومناقشته من جذوره، فمن يعتقد بأن المسألة هي ببساطة تخيير أو سحب جنسية ممن يملك جنسيتين فهو قد ابتعد عن الصواب فالمسألة أعمق من ذلك بكثير.
الملاحظ أن أغلب من يطرح مسألة ازدواجية الجنسية يتمترس خلف النظرة الفئوية والمناطقية ويخفي ما يخفيه من طائفية وإيديولوجيا بعيدة كل البعد عن الطرح العقلاني والموضوعي، والطرح العقلاني سيجرنا حتما إلى نتائج لا نتوقعها أو بالأحرى نتجنبها قدر المستطاع، فإما أن نقبلها كواقع موضوعي يجب التعايش معه أو أن نصمت ولا نتفوه بما لا نعرف لأن الحق أحق أن يتبع، كما أن التحليل العقلاني لموضوع ازدواجية الجنسية يقتضي منا قراءة التاريخ قراءة نزيهة ومتأنية لأن هذه المسالة ليست وليدة اليوم بل هي مرتبطة ببداية نشأة الكويت كدولة مدنية يسودها القانون والنظام، فجميع المراجع التاريخية تجمع على أن الكويت كانت عبارة عن قبائل وأفراد موزعين على رقعتها الجغرافية وهذه القبائل والعوائل لم تظهر من العدم فكل إنسان كويتي له جذور تاريخية ـ قريبة أو بعيدة ـ إما تمتد في عمق الجزيرة العربية أو إيران أو الهند وبعض دول آسيا، فالكويت ـ شئنا أم أبينا ـ بلد تكون عن طريق الهجرات، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة ومن ينكرها يجحد حقيقة علمية يؤكدها علم الاجتماع والديموغرافيا والتي تقول ان الهجرات وانتقال الأفراد من بلد إلى بلد آخر ومن قارة لقارة اخرى هو أمر طبيعي ويخضع لعدة ظروف أهمها الظروف السياسية والاقتصادية.
لكن ما يهمنا هنا هو التساؤل عن حقيقة حيازة بعض المواطنين لجنسيات أخرى سواء كانت سعودية أو إيرانية أو أميركية أو غيرها، وهل حصلوا عليها قبل صدور قانون الجنسية في أواخر الخمسينيات؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يتخلوا عن جنسياتهم غير الكويتية؟ ألا تثير هذه المسألة تساؤلات حول معنى الانتماء؟
كثيرا ما نردد ونسمع مقولة «يجب أن نرسّخ مبدأ المواطنة» واليوم فقط نفهم جيدا معنى ترديد هذه المقولة، إنها تعني باختصار أن لدينا مشكلة حقيقية في مفهوم الانتماء لأننا ـ وببساطة ـ لن نستطيع فهم وإدراك معنى المواطنة دون أن نضع النقاط على الحروف فيما يخص مفهوم الانتماء.
هذا من جانب، ومن جانب آخر تتكشف لدينا أزمة في تحديد الهوية وهي أزمة يجب أن نعالجها من الجذور أي نعود لنحاكم التاريخ ونسأله عن آباءنا الكويتيين هل هم أولئك الحفاة الذين أتوا من أعماق جزيرة العرب أو الذين أتوا من الجانب الآخر من بحر الخليج؟ ألسنا بحاجة لأن نفهم من نحن حتى نحسم هذه المسألة بلا رجعة ونقطع الطريق على من يسترزق قوته السياسي من وراء طرح مسألة ازدواجية الجنسية وكأنه بريء منها براءة الذئب من دم يوسف؟!
على الرغم من كل ذلك تبقى الحقائق حقائق وهي ان التجنيس وقانون الجنسية برمته قد خضع لظروف خارجية وداخلية وهو مرتبط أشد الارتباط بثلاثة محاور رئيسية:
أولها: انه مرتبط باللعبة السياسية حيث اتجهت الحكومة في بداياتها مضطرة إلى تغيير موازين القوى واختارت باب التجنيس لتحقيق هذا الهدف، وثانيها: أن التجنيس في تلك الحقبة مرتبط أيضا بمتطلبات التوسع العمراني الذي تطلب تغييرا ضروريا في التركيبة السكانية للكويتيين الجدد، وثالثها ان الأهم من ذلك كله أن التجنيس كان يرزح تحت الضغط الإقليمي المتمثل بالتأكيد على عروبة الكويت واستقلاليتها أيضا، فيجب أن نتذكر هنا أن بداية تأسيس الدولة المدنية وسيادة الدستور في حقبة الستينيات وأوائل السبعينيات كان ملازما لنمو وولادة القومية العربية من جهة وتعاظم المد الإيراني الفارسي من جهة أخرى والكويت كانت ـ في ظل هذا الصراع الإقليمي ـ تعيش بطريقة أو بأخرى أزمة تحديد الهوية والاستقلال!
إن معالجة هذه المسألة تتطلب منا ـ في اعتقادي ـ إلى غربلة ثلاثة مفاهيم مرتبطة ببعضها البعض، قانون الجنسية برمته، المواطنة، الانتماء، إنها فرصه يجب ألا نفوتها لبناء الوطن من جديد.