أحمد العنزي
كان الخطاب السياسي السائد أثناء الانتخابات السابقة يرفع شعار لا للتأزيم، ما وجه وأثر بشكل كبير على قناعات الناخبين واختيارهم لممثليهم في البرلمان. لكن ألا يجدر بنا أن نمعن النظر قليلا في خلفيات وأبعاد هذا الخطاب؟
أعتقد أن البرلمان السابق لم يكن بالمرة برلمانا تأزيميا، هذا إن أمعنا النظر في طريقة طرح هذه النبرة والقصد من ورائها، بل وأبسط من ذلك أن نمعن النظر في النهج البرلماني في تاريخنا السياسي ككل.
إذا كان التأزيم هو أن يثير أحد النواب قضية يعتقد البعض أنه لا معنى لها ويقوم بتضخيمها إلى أن يرفع حق الڤيتو البرلماني أو الاستجواب، فإننا في هذه الحالة سنقع في لبس خطير وسطحي، أيضا لو كان هناك 49 نائبا يتعهدون بعدم سلك هذا المسلك ونائب واحد فقط يسير بعكس الاتجاه فإننا سنعود للمربع الأول فلا طبنا ولا غدا الشر، سنعود الى نفس السيناريو وينحل البرلمان وهكذا دواليك.
مشكلتنا الحقيقية هي أننا شخصانيون إلى أبعد الحدود فنحن نشخص القضايا والمفاهيم ونربطها بالشخوص لا بالنصوص، وهذا يترتب عليه أن يظهر لنا شخص أو ناشط فيلقي بمصطلح جديد لم نألفه سياسيا ثم يكثر الحديث حوله فيكبر هذا المصطلح ويصبح ككرة الثلج التي تتدحرج وتبتلع من أمامها بل والأدهى من ذلك أننا نحوّل هذا المصطلح «كالتأزيم» إلى خطاب سياسي حتى المثقفين والأحزاب يعترفون بشرعيته دون فهمه.
فنحن لم نكلف أنفسنا العناء بالبحث عن تاريخ البرلمانات وتاريخها السياسي من الناحية العلمية. فما أفهمه شخصيا وببساطه هو أن البرلمان إرادة شعبية منتخبة لحل القضايا ـ كل القضايا ـ وليس لتعقيدها أو تركها دون حل، وإذا كان هناك خلل ـ أي خلل ـ فالمشكلة في النهج أو الدستور الذي يقوم عليه هذا البرلمان أو ذاك، وبناء عليه فمصطلح التأزيم أو أي مشكلة أخرى هي نتاج البرلمان وعدم حلها دليل على أن هناك خللا ما، فالمشكلة ستبقى قائمة مادام الدستور الكويتي قد أعطى لنائب واحد الحق في أن يستجوب رئيس مجلس الوزراء ولكن ما أغفله الدستور هو الدواعي الحقيقية لهذا الاستجواب وكيفية رفعها للدواعي الضرورية، فالنائب واستنادا الى حقه الدستوري في الاستجواب يستطيع أن يقدم استجوابا لأي وزير أو رئيس الوزراء إن لم يوقع له معاملة واحدة مهمة بالنسبة له.
والخلاصة هي أن الأدوات الدستورية – كما أعتقد – تفتح المجال لأي نائب أن يقوم بثنيها في اتجاه مصالحه الخاصة أو الحزبية وبالتالي فهي قطعا تعاني من إشكالية الابتعاد عن البعد التنموي والاستراتيجي التي تفرض على أي نائب - حتى لو كانوا الخمسين نائبا- ربط استجواباته بمواضيع تنموية وليس بشخوص بحيث تفرض هذه الدواعي التنموية على هؤلاء النواب تقديم البديل فيما يعتقدون أنه خطأ في نفس قبة البرلمان، وبالتالي فإن أي إشكالية مضللة تطرح ستسقط جميع الأقنعة وتكشف عن قدرات النواب الذين لا يعرفون ما يناقش في البرلمان.والأهم من ذلك كله، لن يكون لأي مصطلح يطرح في الشأن العام كمصطلح التأزيم أي معنى وسيفقد بالتالي مآربه البعيدة وغير المفهومة.