أحمد العنزي
لدي قناعة ذاتية بأنه لا يوجد شي غير جدير بالتفكير والاهتمام مادام الله سبحانه وتعالى وهبنا عقلاً وميزنا من بقية المخلوقات بالتعقل، وممارسة التفكير الحر تتطلب منا بالتأكيد التحرر من كل المواقف الجاهزة والمسبقة والتحرر أيضا من عواطفنا وميولنا. وفي هذا المقال أوجه دعوة صادقة وجادة لإعادة النظر في دستورنا. لماذا؟
إن المؤمن بالتغيير والتقدم ـ أي التغيير الذي يفرضه تطور العلم والعالم معه ـ يعرف جيدا أن الدستور الكويتي بعيد كل البعد عن عصر العولمة والانفتاح وعصر المعلوماتية الذي غير مفاهيم كثيرة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فمثلا تطور الفكر والأنظمة السياسية اليوم يؤكد لنا أن الانتماء ليس له علاقة بحيازة الإنسان للجنسية أو جواز السفر فقد يحمل إنسان مائة جنسية وينتمي عاطفيا لدولة واحدة فقط، وهذا ما لم يستوعبه دستورنا الذي يفرق أصلا بين أبناء الوطن الواحد فهناك كويتي بالتأسيس وآخر بالتجنيس وكويتي مادة أولى وثانية وخامسة والى آخر هذه التقسيمات التي ليس لها علاقة بالانتماء إطلاقا، كما إني لم أفهم إلى اليوم ما السبب من ورائها إلى درجة إني بدأت أرجح السبب الفئوي والطبقي؟
إن تغيير الدساتير هو أمر طبيعي وموجود في أرقى الدول ديموقراطية، وهذا التغيير يفرضه تغير الجغرافيا والسياسة على وجه التحديد، والكل يعرف أن دستورنا الذي مضى عليه نصف قرن تقريبا ظل بلا تعديل أو تغيير ونستغرب كثيرا من الذي يضرب عليه هالة من القداسة وكأنه قرآن منزل، لغاية في نفس يعقوب؟
وأبسط ملاحظة يلاحظها المواطن العادي في الدستور الذي صيغ بذهنية الستينيات هو أنه يحاكي تلك الفترة ويترجم الواقع الاجتماعي لأهلها في ذلك الوقت، ويتضح هذا في البحث عن سبب رفض الدستور الكويتي لأن تورث الكويتية جنسيتها لأبنائها كالرجل الكويتي، فكويتيي الستينيات لم يدركوا أن الكويتيين في المستقبل قد يكسرون القاعدة الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت في موضوع الزواج والتي تقول «حلاه الثوب رقعته منه وفيه»، فدستورنا يغلب عليه النفس الاجتماعي، فلم يضع مؤسسوه في اعتبارهم الأبعاد السياسية والجغرافية والتغيرات التي قد تحدث في المستقبل؟ كما أن حرمان المرأة من هذا الحق يكشف لنا عن الموقع الذي كانت تشغله في مجتمع بدأ يتشكل وهو مجتمع محافظ؟ فلم يضع مؤسسو الدستور في اعتبارهم التطور السياسي والاجتماعي لحقوق المرأة مثلما أننا اليوم نستبعد أي تطور في الحقوق السياسية والاجتماعية للأقليات كحقوق الكويتيين المسيحيين والتي قد تحدث في المستقبل لظروف لا نعرفها الآن.
موضوع الجنسية مثال بسيط من أمثلة لا تعد ولا تحصى والتي تثبت أن دستورنا يحتاج إلى تعديل، إذا كنا نريد فعلا بناء دولة مدنية تحكمها المؤسسات والقانون.