أحمد العنزي
لماذا إلى الآن لم نستطع حل قضية البدون على الرغم من وجود هذه المشكلة منذ ما يقرب من نصف قرن وتحت مسميات مختلفة؟ لماذا لم نعالج قضايانا المعيشية المرتبطة بالصحة والتعليم والسكن بل نجدها تنمو وتتضخم يوما تلو الآخر؟ لماذا لم تشهر الأحزاب وعدد ليس بقليل من جمعيات النفع العام والاتحاد الوطني لطلبة الكويت ونقابات أخرى، بحيث يمكن أن نعتبر أنفسنا نعيش حياة سياسية واقعية وعقلانية وعلمية؟ كل هذه الأسئلة ستبقى عالقة إن لم نمتلك الجرأة ونطرح الإشكالية بالمقلوب وبشكل صريح.
نريد أن نعالج هذه القضايا لكي نقول عن أنفسنا إننا نعيش في بلد متقدم تنمويا ويسير بالشكل الصحيح، ولكن لا يمكننا الحديث عن بلد يقوم على التنمية إن لم نملك برلمانا يدفع بالتنمية. فالبرلمان ـ أي برلمان ـ وجد من أجل البناء والتنمية، فهل البرلمان الكويتي وجد من أجل هذا الهدف؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لم نستطع إلى الآن حل مشاكلنا العالقة؟
قد تكون إجابتنا قاسية عند البعض، فالمشكلة ـ باعتقادي ـ تكمن في أن البرلمان ينتج ويعزز هذه المشاكل، بل أكاد أجزم بأن البرلمان ـ ليس علة فيه بذاته ـ هو جزء من تردي أوضاعنا ويساعد بشكل كبير على ركودنا ودوراننا في مشاكل لا معنى لها إطلاقا، كيف؟
كل المجتمعات التي ناضلت من أجل قيام مجتمع مدني تسوده التعددية والديموقراطية والتنمية أعطت برلماناتها الأدوات التي تمكنها من النهوض وتلبية متطلباتها المعيشية والتي كانت في مقدمتها الحرية والأمن وترف العيش، لأن هذه الشعوب تعرف جيدا أن البرلمان بحد ذاته غير مجد من غير أدوات دستورية ناجعة قائمة على هاجس التنمية، والبرلمان الذي لا يملك أدوات نهوضه يبقى كالمركبة دون وقود لا فائدة منها حتى لو كانت آخر طراز.
وهذا هو حال البرلمان الكويتي فهو مركبة بلا وقود والوقود الذي نعنيه هو الأدوات الدستورية التي تدفع بالبلد وبالبرلمان نفسه لأن يكون تنمويا قادرا على تلبية تطلعاتنا وحل مشاكلنا مهما كبر حجمها ومهما كانت درجة تعقيدها. والمثال على ذلك ـ والأمثلة كثيرة ـ هو الاستجواب كأداة وحق دستوري للنواب والذي يخضع لسلطة النواب التقديرية ولكل نائب تقديره الخاص- وأحيانا غير المفهوم- في استخدامه، فنحن لم نحدد بالضبط وبشكل مفهوم للجميع أو على الأقل للنواب أنفسهم، متى يحق للنائب استخدام الاستجواب؟ ولماذا؟
أعتقد أن الحراك الحقيقي نحو التنمية وتأسيس دولة المؤسسات والقانون يبدأ من مراجعة المفاهيم والأدوات واللائحة التي يتأسس عليها البرلمان كسلطة تشريعية، وهذا يعني أننا في حاجة حقيقية إلى إعادة النظر في بنود كثيرة من الدستور والتي لم تعد تذكر في أي دولة متقدمة.
ونبدأ من الفرضية البسيطة القائلة: ما المانع من غربلة الدستور ونمط حياتنا السياسية والثقافية والاقتصادية إلى أفضل حال ممكن؟