أحمد العنزي
من الظواهر السلبية في حياتنا البرلمانية بوجه خاص والسياسية بوجه عام الظهور المفاجئ لما يسمى بالكتل، والتي أغلبها تكون مؤقتة وعبارة عن ردود أفعال تجاه مواقف سياسية، فهي سلبية لعدة أسباب أهمها:
غياب قانون إشهار الأحزاب الذي سيقنن وجوده بلا شك العمل السياسي، والمطلع على الثقافة السياسية يعرف أن قيام الأحزاب سيحلحل الكثير من الضبابية السياسية والتخبط السياسي الذي نعيشه اليوم، لأن قيام الأحزاب يعني الإعلان الصريح للحزب عن أفكاره ورؤاه وتطلعاته والتي سيترتب عليها تقديم برامج تنموية باسم الحزب ككل تكون واضحة للجميع، بحيث يصبح انضمام أي مواطن لأي حزب قائما على قناعات ثابتة لا يتخلى عنها بسهولة حتى لو تراجعت شعبية هذا الحزب أو ذاك. كما أننا لن نجد أولئك السياسيين الذين يتلونون بسهولة ويتبرأون من أحزابهم بهدف خوض الانتخابات والحصول على أصوات أكبر عدد من الناخبين. فالمسألة في العمل الحزبي دقيقة وأخلاقية في نفس الوقت.
والأمر الآخر ـ وهذا شيء غريب نوعا ما ـ هو أن البرلمان أصبح مركزا لتأسيس ما يسمى بالكتل، وهذه مشكلة مرتبطة بالثقافة بدرجة أولى، ففي بلدنا المثقف هو الذي يتبع السياسي وليس العكس، والكتل بناء على ذلك لا تخرج من رحم الشارع الحقيقي ولا يؤسسها النشطاء في الشأن العام بحيث تعبر عن أفكارهم وبرامجهم في قبة البرلمان، فهذه الكتل ككتلة الإصلاح والتنمية مثلا وغيرها كثير تولد ولادة قيصرية وتؤسس على اجتماع مواقف سياسية موحدة تلتقي في أغلبها المصالح عند بعض نوابها ضد أشخاص أو وزراء، بحيث لا يمكنك- عندئذ- أن تسألها عن برنامجها التنموي والإصلاحي المزعوم لأنها تأسست في ليلة وضحاها وفي مؤتمر صحافي، كما أنها قامت على تسجيل مواقف شخصية وسياسية فقط.
الكل يعرف أن مجلسنا احتضن أشكالا وألوانا من الكتل، ابتداء بكتلة العمل الوطني وكتلة الإصلاح والتكتل الشعبي والتكتل الإسلامي وانتهاء بتكتل الكتل، وهذا يكشف لنا عن حقيقة مهمة وهي أن هناك قطيعة حقيقية بين ما يدور في البرلمان وما يدور في الشارع الكويتي ومؤسسات المجتمع المدني، ففي هذا الجانب مؤسسات المجتمع المدني تظهر أكثر تنظيما مما يسمى بالكتل السياسية طويلة وقصيرة الأمد.
لن أكون مجافيا عند تشبيه مثل هذه الكتل بذهنية الطفل فهي قائمة على أسس نفسية أساسها العناد والتعنت وليس العلم والمنطق ولغة الواقع والأرقام، ومبدؤها إذا فعلتم كذا سنفعل نحن كذا، وهذا مؤشر مخيف على مستقبل البرلمان والدولة على حد سواء، فقانون السياسة هو التفاوض والمرونة وليس العناد والتعنت، لأن الدولة تتقدم بالعلم والعمل وليس بالأهواء وتقلب الأمزجة.
قد يعترض البعض ويقول ان هذا الطرح يصب في خانة تكميم الأفواه وكبت الحريات لكن لنتذكر جيدا أن الحرية ليس لها معنى إن لم تلازم وتؤد إلى التنمية والاستقرار، وهذه دعوة للنواب ليكونوا أحرارا بالفعل.