لم أفاجأ شخصيا بإنتاج فيلم هابط مثل «براءة المسلمين» يسيء إلى مقام النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، فالفيلم المسيء هو حلقة من سلسلة حملات يقصد بها تشويه صورة الإسلام والمسلمين واستفزازهم بدءا من حرق الأقصى 1969م ثم رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» ومرورا بالرسوم الدنماركية والتهديد بحرق القرآن الكريم. ولكن ما صدمني هو ردة فعل المسلمين التي تجاوزت المعقول والخلق الحضاري، فحرق السفارات واقتحامها في ليبيا والخرطوم ومصر وصنعاء وقتل السفير الأميركي وثلاثة من موظفي السفارة في بنغازي وحرق كنتاكي طرابلس في لبنان أو رفع شعارات مؤيدة لفكر «القاعدة» الإرهابي في الكويت سلوك لا يقره الإسلام التقدمي ولا الخلق الإنساني ولا أعرف ما علاقة هذه المراكز بإنتاج هذا الفيلم حتى يتم تدميرها؟ وفي الجانب الآخر أدان العقلاء من المسلمين بمختلف مشاربهم ومذاهبهم وغيرهم كرابطة ائتلاف الأقباط وبابا روما بنديكتوس السادس عشر هذا الفيلم المسيء واعتبروه مغذيا لثقافة الكراهية الدينية وصراع الحضارات بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني لماذا تتكرر الإساءة إلى مقدساتنا نحن بالذات؟ أو ما هي الدوافع الحقيقية التي تحرك متطرفي أميركا وأوربا لمهاجمتنا عقائديا؟ أعتقد أن الآتي جزء منها:
أولا: ضعف الأمة الإسلامية والعربية وتخلفها عن ركب الحضارة والتقدم العلمي تجعل الآخرين ينظرون إلينا باحتقار وازدراء، فمن السهل جرنا إلى معارك دينية جانبية. وخير دليل على ذلك أن الثائرين لم ينتفضوا من أجل احتلال فلسطين وتهويد القدس والحفريات المستمرة تحت المسجد الأقصى أو محاصرة غزة وتجويعها بل من أجل فيلم هابط مسيء انتشر وانشهر بحماقة الجماعات الإسلامية المتطرفة وكلنا نذكر كيف شهرت فتوى الخميني الروائي سلمان رشدي فطبعت روايته عدة طبعات وحققت أرباحا وشهرة للمؤلف لم يتوقعها، وكنت أتمنى لو عمل المسلمون بوصية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب «أميتوا الباطل بالسكوت عنه ولا تثرثروا فينتبه الشامتون».
ثانيا: هناك تيار يميني متطرف عنصري «صهيو صليبي» أخذ ينتشر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، في أميركا وهولندا والنرويج من قادته القس تيري جونز، ينادي «بطرد المسلمين الإرهابيين وإرجاعهم إلى بلادهم لأنهم خطر على الثقافة والمجتمع الغربي» فلا أستبعد أن يكون هذا الفيلم جزء من حملتهم القذرة، خاصة ما أثير حول تبرع 100 صهيوني بـ 5 ملايين دولار لإنتاج الفيلم.
عموما ردة فعل المسلمين تجاه الفيلم المسيء تعكس حال أمة فاقدة للثقة بنفسها وبمقدساتها وهي بمثابة النكسة، فكنا نتصور أن الوعي عند الشعوب العربية بعد الثورات سينقلنا إلى مستقبل أفضل وأرحب ولكن غاب الوعي والاستنارة وجاء هؤلاء الظلاميون، وذلك لأن ربيعنا العربي لم يمر بقناة «الإصلاح الديني» مثل التجربة الأوروبية بل اختصر الطريق وجاء للديموقراطية بثقافة دينية.
[email protected]