يتخيل البعض أنه عندما يمتهن الكتابة فإنه يكون قد حاز مجدا لم يبلغه من كان قبله ولن يبلغه من سيأتي بعده، ويتوهم أنه أصبح مفكرا عظيما، ولعل الجو الذي ينسجه بعض المهتمين بالتداول الثقافي هو الذي جاء بمثل هذا الوهم، فإننا في الحقيقة لا نزال في حركتنا لصناعة المعرفة لا نتداول الأفكار بل نجعلها رهينة لدى سجاني الذوات المتضخمة، وترى نفسك مجبرا على المديح الزائف والمجاملة السمجة التي تخدع الأرواح الواعدة وتكرس الفساد الثقافي لمدد زمنية طويلة.
لقد تسبب التقديس والتمجيد والمداراة في تخلف معرفي شديد، وأصبحت حركتنا المعرفية غير فاعلة في المشهد الثقافي العالمي، الأمر الذي أدى الى تراجع مخيف لا ندري الى أين سينتهي بنا، ولكن الإنسان الواعي لا ييأس من العمل على تحقيق رؤيته والانتصار لقضيته ما دام يحمل الوعى والعلم والإخلاص ويستمر في بحثه لنقد المشاريع الفكرية والعلمية، متأملا نتاج الحضارات المتنوعة، محاولا طرح الأسئلة الكبيرة التي تخلق الوعي من خلال التأمل الذي يكشف الأستار عن وجوه الأفكار، وبه تتبلور اللحظة التاريخية بنهضة حقيقية تغير الواقع وتحول الانسان الى منبع طاقة متجددة تنير للفرد والمجتمع على حد سواء درب الرقي الى صناعة المستقبل الذي يتناغم مع اخواننا من بني الانسان في جميع أنحاء العالم.
انه لا ريب ان استثارة العقل أمر مطلوب بل ضروري لخلق حالة تداول معرفي حقيقية، كما ان الفلسفة بكل منهجياتها بما فيها فلسفة الدين هي السبيل الامثل لرقي المجتمع والنهوض به، لأن الفلسفة هي أداة تغيير عاداتنا الفكرية السيئة وأوهامنا التي تسحبنا الى هاوية سحيقة وتجعلنا عبئا على العالم.
ان الإصلاح لن يأتي أيضا إلا عبر قراءات إستراتيجية جادة تمتلك من الشجاعة والجرأة لكي تنتقد الأوضاع القائمة والأفكار السائدة كيفما كانت وترسخ الحقائق المعرفية في كل المجالات وتجعل مجتمعاتنا مجتمعات مفكرة تنتج القوانين المدروسة جيدا وتطبقها على الجميع دون تمييز وتحترم العمل وتجعله القيمة الأساسية للفرد، كما انها تخلق من حكوماتنا مصانع للإنتاج وخلق فرص للعمل الحقيقي لأننا اذا اردنا ان نتقدم فإننا لابد ان نمتلك رؤية حضارية عالمية تنظر لمن حولنا وتتنافس منافسة إيجابية لخلق تواصل عالمي وحضارة متجددة وكل ذلك لن يتحقق ما لم نغير عاداتنا السلبية، وهذا التغيير لابد ان يكون بقراءة برهانية فلسفية منطقية دقيقة للواقع تلتزم رسالة التغيير بالمنهج العلمي المناسب لكل فرع من فروع المعرفة عندئذ يخلق مجتمع المعرفة وتنشأ الحضارة التي اشتقنا إليها كثيرا، ولكننا وللأسف لا نعمل من أجلها البتة.