حين أقصد مقر عملي في كلية التربية الأساسية أرى بعيني شاخصا ما لا يمكن أن يقوم بعقلي، ولعلي أبدأ من مصانع الطابوق التي تطل على مدينة سعد العبدالله وهي مدينة نموذجية لأنها نتاج تراكب خبرات يفترض أنها تكونت لدى المسؤولين عن المؤسسة العامة للرعاية السكنية، السؤال هو: هل يوجد في غير الكويت مدينة تطل على مصانع الطابوق، وسكن العزاب، و(سكراب) سبق للجهات المعنية أن أزاحته بعد عناء، وكأنها لم تدرك ذلك من قبل وإنا لنأمل أن يلحق به أخواه أيضا؟!
إن الأمر لا يقف عند هذا الحد ولكنه يكشف عن تركيبة عقلية بيكاسوية للذين يقومون بالتخطيط لهذا البلد، وحسبك أن تطل على منطقة الصباح وما يحاذيها، فميناء بحري تحاذيه منطقة تضم بين جنباتها أسواقا ومراكز حكومية ثم صدق أو لا تصدق كليات جامعية، تقابلها مستشفيات والمستشفيات يجاورها كليات عسكرية كانت تقابلها «شبرة الخضار الرئيسية» تمت إزاحتها بوعي أمكنه الجمع بين كل هذه المتناقضات في مساحة ضيقة جدا ومن يدري فلعلنا نرى غدا نقلا للكليات العسكرية إلى المناطق الحدودية أو ما هو قريب منها، لاسيما بعد وضع مبنى الجامعة الجديد في قلب مناطق سكنية بعضها جديد وبعضها قديم، ولكن سبق السيف العذل بعد أن استقرت في موضعها وأحرقتها الشمس.
ثم إذا دخلت مقر عملي وجدت كلية التربية الأساسية والتي يفترض أن تكون مصنعا لمن يصنعون عقول الأجيال ويغرسون في قلوبهم كل فضيلة، أراها متواضعة في جل ما فيها، فالطلاب يأتون إليها من التعليم العام بقدرات محدودة وهم في حقيقة الأمر ضحايا سنوات تعليم متخلف علم الطالب كيف يعتمد على غيره في تحصيل المعلومات، فلا يناقش ولا يبحث ولا يحب أن يفكر...، وأرى مباني متواضعة في قاعات الدرس، فكراسي الطلبة كأنها من الحديد الصلب، علما ان الطلاب يمكثون أكثر من 6 ساعات يوميا في المعدل المتوسط، ولا عجب في هذا، فالأثاث كله من مخلفات المبنى القديم والذي تم الانتقال منه منذ أكثر من عامين دراسيين، ليس فيه استراحات لأعضاء هيئة التدريس، والمكاتب كالأقفاص، لا يمكنك فيها الاتصال من الهاتف المحمول لضعف شبكة الاتصالات، ناهيك عن المكتبة التي تغلق أبوابها في الواحدة ظهرا وكأنها لا تحفل بالطلبة الذين تبدأ محاضراتهم في مثل هذا الوقت وتمتد إلى السابعة مساء، لعدم توافر شعب دراسية بسبب شح القاعات ونقص في أعضاء هيئة التدريس.
ولكيلا أطيل هذا الهم الذي أبثه على السطور، أود أن أختم المقال بموضوع في غاية الأهمية متعلق بأولئك الطلبة الفائقين من غير محددي الجنسية والذين لمست بنفسي تميزهم تميزا أهلهم ليحظوا بتكريم يرعاه ويحضره صاحب السمو الأمير، ثم لا يكون لهم بعد هذا التكريم سوى الاستخفاف بتفوقهم وبشهاداتهم التي حصلوا عليها حين يتم رفض تعيينهم في حين تشد الرحال في الوقت نفسه لاختيار أساتذة ليسوا من بيئتنا وليس لهم من القدرات والإمكانيات ما لإخواننا الذين أتحنا المجال لتعليم النابهين منهم، فلما أثبتوا نبوغهم نرفض تعيينهم رفضا ينم عن غباء لا حد له.
[email protected]