العنوان مثل عربي يضرب لمن كان سبب هلاكه منه هو، وقصته أن رجلا نفخ قربة وربطها ثم نزل بها يسبح في النهر، وكانت القربة ضعيفة الوكاء (أي الرباط)، فتسرب هواؤها وأوشك الرجل أن يغرق، فاستغاث برجل كان واقفا على الشاطئ فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ، يعني بذلك أنه هو الذي نفخ وربط فلا يلومن إلا نفسه.
ولذا لن أقول إن ما يحدث في سورية مأساة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولن أملأ السطور بالدموع التي ستجف سريعا مع النقطة التي سأذيل بها هذا المقال، فقد طاب للعرب النواح وسكب الدموع والشجب والاستنكار حتى صارت من شيمهم في زماننا هذا، وما الجديد بعد فلسطين والعراق وليبيا واليمن وكذلك أفغانستان وكوسوفو والبوسنة والهرسك.
إن هذه المآسي لطالما استنهضت همم الدعاة فصالوا وجالوا بحناجرهم وما سمعهم سوانا فنالوا حظوة وشهرة، ولطالما ألهبت قرائح الشعراء بقصائد يتغنى بها المنشدون ففازوا بجوائز شعرية مرموقة، وألهمت المبدعين فصمموا الشعارات الرائعة واللوحات الجميلة، ووجد فيها الفنانون فرصة سانحة ليثبتوا إنسانيتهم فأصبحوا سفراء في الأمم المتحدة، كما أنها مادة دسمة ومعين لا ينضب يصدر عنه الإعلام المرئي والمسموع والمقروء على حد سواء فزادت انتشارا وإيرادات، وكل أولئك صبوا جام غضبهم على مجلس الأمن وأمه وأبيه وفصيلته التي تؤيه.
كل ذلك ونحن كما نحن تخلف وجهل ودروشة باسم الدين وفساد لم يعد له نظير على هذا الكوكب ونحن لا نحرك ساكنا، وما الذي تنتظره يا ترى شعوب لا تأبه ولا تحفل البتة بمن يتولى قيادتها ولا يضيرها أن يحكمها نظام سياسي فاسد إلى درجة العفن المقنن!
ما الذي تنتظره هذه الشعوب من أنظمة سياسية أفسدت معها التعليم والأمن والقضاء وكل شيء؟! أين كانت يوم تسلم مقاليد الحكم فيها الجهل والطغيان والحمقى واللصوص وعلى مرأى منها ومسمع كان الحمل والمخاض والولادة ولم يكن منها سوى الصمت المطبق بل والمشاركة الفاعلة أحيانا كثيرة في تيسير الولادة الطبيعة لأنظمة الظلم والفساد.
ولكم ينتابني العجب ممن يعد عند السذج من المفكرين حين يخاطب مجلس الأمن وهو في بيته، أو ممن يقارن ردود الأفعال بين ما حدث في فرنسا وما يحدث في سورية؟!
ويا له من قياس فاسد شديد المفارقة، بين نظام رئاسي يتم توريثه مع موجة تصفيق من مجالس النواب ونظام رئاسي لا يجرؤ الرئيس فيه أن يمكث ساعة في مكتبه بعد انقضاء فترة حكمه. بل وكثيرا ما تتم مقاضاته على ما كان منه بعد ذلك، وقد حدث هذا في الدولة الصهيونية، فكفانا متاجرة بمعاناة الأطفال والنساء والشيوخ، وكفانا سذاجة واستحمارا، فإن ما نحن فيه لن يتوقف ما لم نعالجه معالجة جذرية تبدأ منا نحن وتمتد إلى عقل الجيل الجديد وقلبه، وأما إن وضعنا أيدينا خلف ظهورنا ولم نخرجها إلا للتصفيق لمن يقفز على كرسي الحكم، فعلينا بعد ذلك أن نخجل ونصمت ونكتفي بعضّ أصابع الندم!