في حمى كأس العالم هذه الأيام، تبدو النجوم في لعبة الساحرة المستديرة، مثل ميسي ورونالدو و«مو صلاح»، هم محط اهتمام الناس لمتابعة هذا المنتخب أو ذاك، وهو أمر مفهوم نظرا لشعبية هذه النجوم، التي انعكست على أسعارهم بمئات الملايين والتي تزداد يوما بعد يوم وتتنافس عليها الأندية العالمية.
في الواقع، ان القيمة الفعلية لهؤلاء النجوم، تتخطى ما يدور على ألسنة الناس من أسعارهم أو قيمة عقود انتقالهم بين هذه الأندية. فلعبة كرة القدم وهوس البشر بالنجوم، ادخلت مفاهيم اقتصادية باتت تعمل فيها حتى اكثر الشركات العالمية والشركات الناشئة.
ففي وقت بدأ البعض يتساءل عن السر وراء الأرقام الفلكية لقيمة عقود اللاعبين، وهل هي فقط تشمل قدرات اللاعب نفسه في الملعب، ثمة دراسات اقتصادية حاولت ان تقرأ هذه القيم من زوايا عدة، مثلا تأثير وجود النجم مثل ميسي في ناد معين على رفع القدرة التفاوضية لهذا النادي عندما يريد التعاقد مستقبلا مع نجوم اقل شهرة من ميسي، او نجوم الصف الثاني وحتى الثالث.
فعلى سبيل المثال، افترضت هذه الدراسات أندية لا تتمتع بوجود نجوم ساحرين، مقابل أندية أخرى لديها نجوم من الدرجة الاولى.
فوجدت ان النادي الذي لديه نجم قوي يمكنه ان يفاوض اللاعبين الآخرين أو أصحاب عقودهم، على أسعار اقل بكثير من النادي الذي لا يوجد فيه لاعبون مميزون. والسبب في ذلك، ان اللاعبين يرضون بأسعار اقل لكي يلعبوا بجانب نجم كبير تحبه الجماهير، فمن خلاله يمكنهم ان يحظوا بالشهرة والنجومية والتعلم المباشر والامتثال به.
لذلك أصبحت القيمة الفعلية المحتسبة عند شراء النجوم لا تتوقف عند الأمور الظاهرة مثل قوة اللاعب وما سيحصله النادي من شعبية إضافية وبيع اكبر لتذاكر مشاهدة المباريات وحتى العقود التجارية للإعلانات وغيرها، بينما تتخطاها للأمور غير الظاهرة مثل التأثير الإيجابي للنجم على زملائه، وفي تخفيض تكلفة التفاوض المستقبلية مع اللاعبين من درجة ثانية أو حتى ناشئين، فهؤلاء مستعدون للانتقال بأي سعر لمجرد التواجد مع اللاعب النجم، فيريح النادي من نقطة القوة هذه على طاولة المفاوضات، فيأتي بلاعبين بأسعار اقل من قيمتهم الحقيقية.
وان الشيء بالشيء يذكر، فالطريقة الحسابية الجديدة لقيمة الموهبة الرياضية انتقلت لاحقا الى عالم الاعمال. وخصصت الشركات العملاقة نماذج خاصة للتعاقد مع المواهب أو Talents عن طريق إدارات الموارد البشرية Human resources. فأصبح ينظر للموهبة على انها قيمة مضافة للشركة ولفريق العمل، فقدرتها على الإنتاجية اعلى وأكثر احترافية، وفي شركات التصنيع قد تنتج منتجا مبتكرا يحقق ملايين للشركة، أما في شركات الإبداع، فإن فكرة واحدة من هذه الموهبة قد تزيد الأرباح بمئات الملايين.
لذا اخذت هذه العقود شكلا مختلفا عن العقود التقليدية لباقي الموظفين غير المصنفين في قائمة «المبدعين او الموهوبين». وليس السعر هو ما يحدد الاختلاف في هذه العقود الذهبية، إنما أيضا الخدمات والامتيازات التي تعطى للموظف الموهوب لكي يبدع ويبتكر.
ويشمل ذلك أمورا كثيرا مثل مكان العمل المريح، امتيازات السفر، البونصات التحفيزية، المشاركة في الملكية (نمط ظهر مؤخرا)، التساهل في مسائل الحضور والانصراف، الخ..
فسيكولوجيا الموهوب تختلف عن زملائه، فهو شخص لديه متطلبات للابداع لا يمكن تحديدها مثلا بالمكان والزمان، فهو يحتاج وقتا للابداع، وقد يبدع مثلا في الليل وليس في النهار، وبعضهم يحب الراحة كثيرا والاستمتاع بالحياة وممارسة الرياضة،.. الخ من أمور لا يمكن تقييدها، حيث ان الحرية في العمل والتصرف وحتى قلب الأمور رأسا على عقب هي أهم شيء يمنح للموظف المبدع، ومنها تظهر أفكاره التي تصنع أموالا للشركات تفوق أضعاف ما دفعته للموظف.
boumeree@
[email protected]