الفيلسوفة الكبرى
المأساة في العمالة التي لا تقبض الا كل ثلاثة أو ستة شهور مرة، وربما تمتد المدة الى تسعة شهور، وتكون ضحية لتجار الاقامات والكفلاء، حيث نجدهم يملأون الشوارع، يبحثون في مكبات النفايات عن لقمة تسد رمقهم، يبحثون بين الوجوه عمن يتصدق عليهم ولو بفتات خبز يابس، أتوا من بلدانهم المعدمة على أمل توفير لقمة عيش كريمة وحياة جديدة، فصدمهم الواقع، فهم «يكرفون» لشهور طويلة منذ الصباح الباكر حتى المساء لا يتذمرون ولا يشتكون على أمل ان يقبضوا دنانيرهم القليلة كباقي البشر أول الشهر.
فيأتي أول الشهر ليقبضوا من «دُبش» ويُصبّرون أنفسهم، فالشهر الثاني قادم ويطل عليهم «دبش» مرة اخرى وثالثة ورابعة وخامسة.
يا لهذا «الدُبش» الممل، لقد مزقتهم الحاجة وأذلتهم الفاقة فأصبحوا لا يطيقون صبرا، والأمل في أعينهم يتلاشى، وبطونهم تقرقر من الجوع والألم ماذا يفعلون؟ وأين يذهبون؟
رب العمل قلبه قد من حجر، والأسعار زادت الى الضعف والكل يقول هات، الإقامة، السكن، التأمين الصحي، المرض والموت.
يا الله، فأنت المعين، أعيتهم الغربة، وازدادوا شوقا لرؤية أحبتهم، وهم بانتظار دنانيرهم القليلة ليرسلوا بعضا منها الى احبتهم في أوطانهم.
وتكبر المأساة حين نعلم ان ما يطالبون به ليس سوى عشرين دينارا فقط! كيف لبشر في دولة حباها الله تعالى بخيره الكثير ان يعيشوا بهذا المبلغ الزهيد وليتهم يقبضونه كاملا، فالبنك يخصم دينارا منه عمولة والحياة بمتطلباتها الكثيرة تحتاج الى أضعاف هذا المبلغ غير انهم راضون، لكنهم لا يقبضون الا «دُبش»، من يخرج حقهم من بين فكي تجار الاقامات والكفلاء؟ ماذا يفعلون؟ وأين يذهبون؟
كان لابد من خروج الأصوات من الحناجر، وأن تملأ الدنيا بالصراخ حتى تحل مأساتهم، فكان الاضراب أولا، ثم الاحتجاج والاعتصام، أفيقوا على مأساتنا، انتبهوا الى معاناتنا، هذه طلباتنا، أهي كثيرة؟ أهي مستحيلة؟
في ديرة الحب والسلام أناس طيبون يتحسسون آلام غيرهم ويحاولون تخفيفها قدر الامكان بالوسائل المتاحة.
في ديرة الحب والسلام نجد آلاف الجنسيات الوافدة عربية، وأجنبية تعيش على أرضها من اجل لقمة عيش كريمة وضمان مستقبل جيد، انهم يريدون حقهم الذي سلبه كفلاؤهم، فهل يطلبون الكثير؟ وأنتم يا تجار الإقامات ويا كفلاء، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
وهل تستحق ديرة الحب والسلام منكم هذا الجرم الشنيع في حقها؟
ومتى يتم الكشف عنكم على الملأ، لعل ذلك يردعكم عما تفعلون.