للمرة الثانية تتناقل الصحف المحلية خبرا صادما هو الأهم والأكثر خطورة على الصعيد المحلي، وذلك لتعلقه بتراجع مستوى التعليم في البلاد الى مستوى غير مسبوق وغير لائق باسم البلاد ولا بما ينفق على وزارة التربية من مئات الملايين سنويا!
فكيف يمكن ان يهوي التعليم الأساسي لتصل الكويت إلى المركز 112 عالميا بعد كل من السنغال وكينيا وبمراحل؟ وكيف يمكن ان يصل الحال بالتعليم الى هذا المستوى الفاضح للدولة، دون ان يشعر أحد بذلك؟!
ان هذا الانهيار المخزي الذي بلغ حد الجريمة تجاه الكويت وأبناؤها لا يمكن ان يتكون هكذا بين عشية وضحاها فلابد انه نتيجة تراكمات لتراجع تدريجي في منظومة التعليم تجمعت عوامله على مدى سنوات عدة وعايشها أكثر من مسؤول لكن فقدان العمل بمسؤولية عند قيادات وزارة التربية المتعاقبة، والخوف من تحمل تبعات قصور أدائهم حدا بهذه القيادات إلى التكتم على الكارثة وهي في طور التكوين، ولا شك ايضا ان الأجهزة الرقابية في الدولة والإعلام عجزا عن رصد هذا التراجع نتيجة لعجز في الإمكانات على استقراء مؤشرات التدهور واستنباط آثارها، مما يفرض على هذه الأجهزة التصدي للقصور في عملها فمن المعيب ان تظل دون استراتيجيات لتطوير الذات.
إن الدولة مسؤولة عن تصحيح مسار التعليم في أسرع وقت وبأقصى درجات الحزم مع كل من يثبت له دور في تراجع التعليم أيا كان موقعه، وإلا فما جدوي وجود محكمة للوزراء وهيئة عامة للفساد والذي ليس بالضرورة ان يكون ماليا؟ فالفساد الإداري في «التربية» هو السبب الرئيسي في حدوث هذه الكارثة الجريمة، وهو بلا شك يخفي وراءه فسادا ماليا أيضا.
مع توليه حقيبتي التربية والتعليم العالي شرع الوزير الجديد في إطلاق مبادرات إصلاحية متميزة أساسها تطوير المناهج، فعقد مع صندوق النقد الدولي، وهو جهة اختصاص رفيعة المستوى، اتفاقية يضطلع الصندوق بموجبها بهذا الدور، وزار كلا من كوريا وفنلندا، وعقد اتفاقيات معهما للاستفادة من تجاربهما، إلا أنه شغل عن اطلاع الأمة على نتائج مبادراته وتطوراتها، وكان عليه ان يشكل جهازا إعلاميا خاصا، مهمته القيام بذلك بشكل دوري، وعرض اي معوقات تعترضه، واستقبال كل ما يرده او ينشر في الإعلام من آراء وإسهامات من النخب الفكرية وأصحاب الرأي تتعامل مع تحسين التعليم، ويطرحها على أجهزة وزارته، تمهيدا لعرضها على الصندوق.
إن النهج الحديث في عملية تلقي العلم هو أن يدرب الطالب ويشجع على «التعلم» كبديل للتلقين عبر «التعليم»، وهذا لا يتأتى ما لم يتطور المعلم، ويتغير من موظف ملقن الى صاحب رؤية ورسالة ومبدع، يستمد أسلوبه في التعليم من خارج صندوق الفكر التقليدي، ويعتمد نهج تعلم الطالب بدلا من تعليمه، فهل سيستطيع الوزير تطبيق خطته لتطوير المعلم ام ان البعض من المعلمين العاجزين عن التعلم وتبني الحداثة سيصطفون معا لإجهاض مشروعه؟!
[email protected]