سئل الجنرال ديفيد بيتريوس قائد القوات الأميركية في العراق عن سبب التوجه الأميركي الإيجابي تجاه المسلمين الشيعة والتخلي عن السنّة بالرغم من انهم غالبية المسلمين؟ فأجاب مؤكدا: «لأن الشيعة يملكون عنوانا في إيران ألجأ إليه عند الحاجة - يقصد بالعنوان القيادة - فهي موحدة يلزم بأوامرها كل الشيعة بينما انتم السنّة لكم ألف عنوان ولكن ولا واحد فيها يمكنني اللجوء إليه»!
تزامن تعاظم دعم الولايات المتحدة لحليفها الجديد ايران، مع تصعيدها للخلاف الطائفي في المنطقة، ففي العراق لا يكاد يمر يوم الا ويخلف الاقتتال عشرات القتلى من الطائفتين، وعندما اخذت قوات الحشد الشعبي (الشيعية) بالاقتراب من مدينة الموصل (السنية) لتحريرها من داعش، لوحظ ان الاخبار المتناقلة لم تأت على اي ذكر لداعش وانما امتلأت بتسجيلات لعمليات ممنهجة لتصفية السنّة وتهجيرهم ! وضاعت الحقيقة بين الادعاء وتكذيبه الا ان المؤكد هو نزف الدماء من الجانبين.
في سورية تراجعت المعارضة المرهقة والمشتتة ومحدودة القوة والخبرة وتمادى النظام في العنف معلنا حرب ابادة ضد خصومه او تهجيرا كاملا لهم فقتل اكثر من 600 ألف نسمة وهجر عشرات الملايين.
حاول الخليجيون استعادة حليفتهم القوية أميركا وطلبوا المساعدة منها لإيقاف النزيف في العراق وسورية فهي من أشعل هذه الحروب المذهبية لخدمة مشروعها لإعادة تقسيم دول المنطقة مفتعلة الاقتتال المذهبي ليكون التقسيم ذاتيا وبدون الحاجة لتضحياتها وهي التي يمكنها اطفاؤه او تجميده لبعض الوقت، الا انها ادارت ظهرها للجميع.
قبل نحو السنة بدأت أميركا بتنفيذ سياسة نفطية هدفها إغراق الأسواق بالنفط لتركيع كل من ايران وروسيا وأقنعت الخليج بمشاركتها سياستها هذه مؤكدة قدرته على الاحتمال والخروج بخسائر محدودة من جرائها الا ان سياستها انتهت بتضرر الجميع، فالخليج تعرضت اقتصاداته لزلازل لم تتعاف منها دوله الى الآن، بينما امتصت روسيا القوية الصدمة وحافظت على تماسك اقتصادها رغم الخسارة، وركعت ايران واضطرت للموافقة على الشروط الدولية بشأن مفاعلاتها النووية وكان هذا نجاحا اميركيا اهدت ايران في مقابله الضوء الأخضر للاستمرار في سياستها التوسعية في الخليج والوطن العربي وسهلت تحالفها مع روسيا شرطي العالم الجديد بالإنابة عن أميركا.
عملت إيران التوسعية من خلال حوثيي اليمن على ان تقلق السعودية بسلسلة من الاعتداءات على مدنها الجنوبية الحدودية مع اليمن وكردة فعل غاضبة وبموجب وعد أميركي بتأييدها واستجابة لطلب الشرعية اليمنية شنت المملكة وحلفاؤها الخليجيون عاصفة الحزم لتحرير اليمن وبعد مرور اكثر من عام على بدئها دعت الامم المتحدة لمحادثات سلام بين طرفي النزاع اليمنيين عقدت في الكويت الا انها فشلت في اتخاذ قرار وقف اطلاق النار.
تراجع الاقتصاد والحروب الدائرة والتهديد الايراني الحقيقي والخلاف الطائفي المنذر بالتحول لاقتتال وفقدان الصديق القوي والضعف العربي سياسيا وعسكريا وتنامي قوة الارهاب وانفلاته وتعيين شرطي بديل للعالم هو روسيا والعلاقات المتوترة تاريخيا معها، هي خيوط اللعبة التي اسقطت من أيدينا فارتبكت احوالنا.
[email protected]