حمل العام 2016 مزيدا من التأزيم في العلاقة بين دول غرب الخليج العربية وطهران - وهو خلاف ظاهره مذهبي بين شرقه الشيعي (إيران) وغربه السني (دول مجلس التعاون العربية) - والحقيقة انه نزاع مصالح سياسي، تسهم في تأجيجه التهديدات المتكررة الصادرة عن مسؤولين إيرانيين قريبين من دائرة الحكم لأكثر من دولة خليجية وخطب أئمة المساجد الخليجية المعادية لإيران، ويعزى الكثيرون تأجج الخلاف في الخمسين عاما الماضية إلى بدايات الثورة الإيرانية إذ أطلقت على الجمهورية الوليدة اسم الجمهورية الإسلامية في إيران وهذه التسمية المستفزة هي بمنزلة إعلان بتبني مبدأ تصدير الثورة إلى دول الإقليم، ورغم نجاح الضغط الدولي آنذاك في الفرض على إيران التراجع عن هذه التسمية إلا أنها اعتبرت تراجعها إرجاء مؤقتا لتصدير الثورة قبلت به الى أن تتمكن من جمع القوة والقدرة على العودة له.
فرضت الحرب العراقية - الإيرانية استمرار تأزم العلاقة بين دول ضفتي الخليج - باستثناء نسبي للكويت - واستمرت علاقة الطرفين في التأرجح بين متأزمة وشديدة التأزم، وازدادت الحالة سوءا.
مؤخرا عقب إعدام السعودية لمجموعة من المدانين بزعزعة الأمن كان بينهم احد شيوخ الشيعة في الأحساء، ولواقعة أخرى شبيهة بها حدثت في مملكة البحرين، وسبقتهما حادثة التدافع في موسم الحج والتي نجم عنها وفاة مجموعة من الحجاج الإيرانيين وغيرهم وما صاحبها من اعتداء على مقرات البعثة الديبلوماسية السعودية في إيران.
بعد تولي السيد عادل الجبير وزارة الخارجية السعودية في أبريل 2015 كشف في خطاب له عن رغبة سعودية في تسوية الخلاف مع إيران إلا أن خطابه لم يقابل باهتمام إيراني مما حدا بالمملكة إلى التراجع سريعا عن دعوتها، وحمل العام 2016 محاولتين للسيد ظريف لاستكشاف الرأي الخليجي حول المصالحة مع بلاده وئدت الأولى بسبب حرب اليمن ولم يلتفت الخليجيون للثانية التي جاءت على هيئة تغريدة مقتضبة ومبهمة تدعو للتعاون ضد الإرهاب.
أوحى الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني لإيران بأن الولايات المتحدة برئاسة براك أوباما في السنة الأخيرة لرئاسته قد أطلقت يدها في الإقليم والمنطقة لتعزيز نفوذها عليهما وبأنها قد كلفتها بالقيام بدور شرطي المنطقة وكان هذا الاعتقاد العامل الأهم في عودة الجفاء بين الطرفين، فإيران تراجعت عقبه عن تلميحاتها للتقارب مع الخليج وعاد جنرالاتها القريبون من دائرة الحكم لتهديد دوله، إلا أن الانتخابات الأميركية 2016-2017 وإفرازها لدونالد ترامب المتشدد تجاه إيران رئيسا للولايات المتحدة وإعلانه عن نيته في إعادة النظر في الاتفاق النووي معها وإعادة العقوبات عليها ومنعه الإيرانيين من دخول الولايات المتحدة دفعت بإيران للترحيب بدعوة الصلح التي حملتها مبادرة صاحب السمو وأبدت موافقة مبدئية عليها إلا أن استمرار التهديدات الأميركية اضطرها لإظهار قوتها إزاءها لتهدئة وكسب الشارع الإيراني ولما كانت المصالحة قد تفهم شعبيا كعلامة ضعف فالأرجح أن تضطر إيران لتأجيلها إلى أن تتضح أبعاد الموقف الأميركي وماهية التهديدات ضدها وهل هناك ما يتجاوز المقاطعة؟ وتتكشف نتائج المسعى الروسي لتخفيف الضغط الأميركي عليها وهو ما تعول عليه إيران كثيرا.
[email protected]