[email protected]
استعمرت بريطانيا جزيرة سنغافورة الصغيرة - 710 كلم مربع - الواقعة بين ماليزيا واندونيسيا في المضيق الفاصل بين المحيط الهندي وبحر الصين عام 1824 وكان تعداد سكانها آنذاك 100 ألف نسمة يتحدثون ثلاث لغات مختلفة ويتعبدون بثلاثة أديان متباينة ولا تمتلك بلادهم ثروات طبيعية تذكر، وفي العام 1963 أعلنت سنغافورة استقلالها عن بريطانيا وانضمت إلى الاتحاد الماليزي إلا أن برلمان ماليزيا طردها من الاتحاد عام 1965 لتصبح جمهورية مستقلة يقودها زعيمها الروحي العظيم لي كوان يو الذي كان مؤمنا بأن الشعب هو ثروة بلاده الحقيقية، بلغ تعداد سكانها في العام 2016 خمسة ملايين ونصف المليون نسمة.
أنشأ الزعيم لي كوان يو هيئة التنمية الاقتصادية لتكون الجهاز المختص لجذب الاستثمار الأجنبي وحقق الجهاز أهدافه بمنح المستثمرين امتيازات ضريبية وضمانات قانونية وحماية من الدولة، واعتمدت الهيئة أربع صناعات أساسية لتطوير البلاد هي صناعة السفن وهندسة المعادن والكيماويات والأدوات الكهربائية وتمكنت من تحقيق نجاحات باهرة جذبت إليها شركات النفط الكبرى مثل شل وأيسو وأنشأت المصافي النفطية ومصانع التكرير وبحلول التسعينيات أصبحت سنغافورة ثالث أكبر مركز لتكرير النفط في العالم بعد.
هيوستون ونوتردام وثالث أكبر مركز لتجارة النفط بعد نيويورك ولندن وأصبحت منتجا رئيسا للبتروكيماويات على مستوى العالم، كما أصبحت رابع أهم مركز مالي دولي وأحد نمور آسيا العظام، وبدأت سنغافورة مؤخرا في الاستثمار في البحث العلمي اذ خصصت 4% من دخلها القومي للأبحاث العلمية وبنت جامعة نيانيانغ التي تبلغ ميزانيتها 1.4 مليار دولار وزودتها باحدث المختبرات والتقنيات وقدمت تسهيلات مغرية لعلماء العالم لإجراء دراساتهم فيها محققة نجاحا باهرا في هذا النوع الحديث من الاستثمار الذي منحها دخلا رديفا صلبا قليل التأثر بتقلبات الاقتصاد العالمي.
لقد تبنت حكومة الدولة الناشئة استراتيجية طموحة مبنية على اسس علمية واضحة أهمها توجيه التعليم ليخدم سوق العمل ويجاريه وصياغة هوية قومية مشتركة تجمع بين العناصر المختلفة التي يتكون منها المجتمع.
في العام 2013 بلغ دخل سنغافورة القومي 413 مليار دولار ودخل الفرد فيها 62 ألف دولار ولا يتجاوز معدل البطالة فيها الـ 2% ويعمل حوالي 28% من السكان في التصنيع، و23% في التجارة، و22% في الخدمات الاجتماعية والشخصية، و10% في النقل والتخزين والموانئ والمواصلات والبقية في أعمال إدارية وخدمية متصلة بها وبمعدل سرير مستشفى لكل 262 مواطنا يمكن تلمس تفوقها في الخدمات الصحية.
اللافت للانتباه هو غياب دور المعارضة السياسية في تطور البلاد، فعند اجتماع أول برلمان لسنغافورة المستقلة في ديسمبر عام 1965م، كانت مقاعد المعارضة خالية، إذ قاطعت المعارضة الجلسة الافتتاحية بحجة أن الاستقلال كان زائفا، ثم استقال نواب المعارضة وهرب بعضهم الى خارج البلاد خوفا من الاعتقال وظلت سنغافورة بدون معارضة حتى عام 1981م، عندما انتخب نائبا معارضا واحدا.