[email protected]
يقول عالم الاجتماع الأميركي المعاصر الشهير Jonathan Haidt إن المبدأ الغريزي «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب» لا يزال يتحكم في علاقاتنا مع الآخرين ويهيمن عليها واذا ما تركنا له العنان فلن يكون هناك سلام بين البشرية أبدا.
غالبا ما يظهر الخلاف الطائفي بقوة بسبب تهديد خارجي ينعكس على افراد المجتمع متسببا في حالة شديدة من القلق وتهديد البقاء تلم بأصحاب المذاهب الدينية أو المدارس الفكرية المتضادة التي فشل أصحابها في التوصل لفهم حقيقي لغاياتها فعاش كل منهم يشك في نوايا الآخر تجاهه وتجاه الوطن، فيؤججها هذا التهديد الخارجي ويدفع بالفريقين المتناقضين إلى الحدة في الاختلاف خاصة ان كانت احدى الطائفتين تنتمي إلى نفس المذهب الذي يتبعه التهديد الخارجي.
تبدأ أولى مراحل الفرقة بالقلق المستمر حول ما الذي يمكن ان يحدث عند تطور هذا التهديد الأجنبي الى عمل عدواني وماذا سيكون له من اثر على حياة ومستقبل مخالفيه وأبنائهم وكيف ستكون ردة فعل الطرف المتفق طائفيا معه؟
وبمرور الوقت تفرض غريزة حب البقاء والمبدأ الغريزي المكون للجماعات الذي ذكرناه، سيطرتها على العقل والحكمة وينشأ إحساس ملزم بالتمسك بالجماعة كمصدر للقوة ضد التهديد المحتمل من الطائفة الاخرى التي صارت تعد الآن تهديدا مضافا للتهديد الاجنبي! ينتشر هذا الإحساس الطاغي بين الافراد و يبلغ تدريجيا درجة الإلزام بالسعي للتخلص من الآخر فيزداد التشرذم وتسيطر الكراهية ويصبح كل فعل يقوم به الآخر مقصودا به القضاء عليه، وتكثر الشائعات، ويسهل تصديقها ويكثر معها الإقدام على أقوال وأفعال غير منضبطة واستفزازية للتنفيس عن ضغط الشعور بالحيرة والذنب، ويدور الجميع في حلقة مفرغة مشؤومة من نار يحرق بعضها بعضا، وبالطبع فإن التهديد الخارجي لن يتوقف بل سيسعى الى تأجيج الفرقة طمعا في تأييد داخلي له.
بداية الحل في إدراك الطائفتين أن الأوان لم يفت للخروج من دائرة الشك في الطرف الثاني وذلك بمراجعة المسببات الحقيقية لهذا الصراع، وأهمها الجهل بحقيقة المذهب الآخر، فالمجهول يشكل مصدرا للخوف، والقلق بيئة خصبة لمثيري الفتن للانطلاق منها، يبقى دور الدولة المحوري وواجب الاداء وبدايته في مراحل التعليم الاولى بالتثقيف بالمذاهب دون المساس بها و زرع مفهوم التعايش بين مختلف المذاهب والعدل بين الجميع في كل مناحي العيش.