الكويتيون بمختلف فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية شديدو الولع بالسياسة، فلا يجتمع اثنان فأكثر إلا والسياسة هي محور حديثهم، ولا يكاد الاثنان يتفقان على رأي باستثناء إدانة الحكومة، ويندر أن تجد من يعترف بدور المواطن في الخلل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي في الأمر الذي يتجادلون فيه أو حتى في اختيار ممثليه للبرلمان!
في القرن السابع ميلادي حظر الإمبراطور قسطنطين الثاني الجدل الذي لم يتوقف في عاصمته بيزنطة حول الثالوث اللاهوتي (الأب الابن الروح القدس)، وفي القرن الـ 15 والسلطان محمد الفاتح على أبواب بيزنطه - أو القسطنطينية واسطنبول حاليا - كان «السينت» - المختار من الشعب - مجتمعا ليناقش جنس الملائكة وحجم الشيطان! فسقطت له وقتل قسطنطين الـ 15 على أسوارها.
تبلغ مساحة فنزويلا 911 ألف كلم2 وعدد سكانها قرابة الـ 30 مليون وهي احد اكثر بلاد أميركا الجنوبية تطورا وتشتهر بزراعة البن والكاكاو، وفي العام 1975 كانت ثالث اكبر منتج للنفط ورابع اكبر دولة مصدرة له وبلغ دخلها القومي 480 مليار دولار، ومع هذا الدخل الوفير للبلاد بليت فنزويلا بصراعات الفرق السياسية الكبرى بها على الحكم للسيطرة على المدخول من النفط الذي كان من يسيطر على الحكم يكنزه لصالحه في البنوك السويسرية وغيرها وخيم عهد طويل من التقلبات السياسية والفساد على فنزويلا تراكمت عليها الديون فيه وتراجع دخل الفرد الى ثلث ما كان عليه في السبعينيات بالغا 12.5 ألف دولار في العام 2012، وزاد التضخم عن 100% وصار اكثر من 66% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ووصل تصنيفها على مؤشر مدركات الفساد إلى الـ 161 وبـ 17 درجة.
اللافت للانتباه أن سنغافورة وقد بدأت نهضتها قرب وفرة فنزويلا المالية وبالرغم من صغر مساحتها وقلة عدد سكانها فقد صارت احد نمور آسيا العظام وواحدة من اهم اقتصادات العالم وخلال فترة بنائها منذ مطلع الستينيات وحتى 1984 لم يكن في برلمانها ممثل واحد للمعارضة!
وتشترك الكويت مع البلدين في بداية عصر الوفرة المالية ومع فنزويلا في كثرة المهتمين بالحالة السياسية والصراع حولها وان كان في الكويت لم يتعد إلى الآن الجدل الكلامي ومؤخرا انحدر تصنيف الكويت على مؤشر مدركات الفساد إلى 49 وبـ 41 درجة وانهار تصنيف جودة التعليم العام بها ليصل إلى 103 والتعليم الجامعي إلى 97 على مستوى العالم!
فهل اخترنا نحن تجربة فنزويلا أم سنستفيق لنماثل تجربة سنغافورة فنبدأ بتطوير التعليم ومحاربة الفساد ونتوقف عن هدر وقت البرلمان في حوارات بيزنطية! نحن لا نقول بالسكوت عن الفساد مثلا ولكننا ندعو لجدول أولويات يكون التعليم في مقدمته متبوعا بمحاربة الفساد وتنويع مصادر الدخل وتطوير الخدمات لا الانشغال باسترداد جنسيات مجموعة قليلة من الأفراد وعقد الصفقات مع الحكومة من أجلها، كما أننا ندعو لانفصال اهتمام عموم الشعب بالسياسة واستبداله بالتعليم والقراءة، انه خيارنا الذي سيشكل واقع أجيالنا القادمة ومستوى معيشتهم ويحفظ امن الوطن وسنحاسب حتما عليه.
[email protected]