عندما تحولت مصر في الستينيات من الاقتصاد الحر الى الاشتراكية تأثرا من الرئيس عبدالناصر بجوزيف تيتو الرئيس اليوغسلافي والذي كان بمنزلة الأب الروحي له، لم تكن تمتلك مقومات الدولة الاشتراكية الرعوية كاملة فدخلها يعتمد على الزراعة ولم تكن بها صناعات منتجة ولا ثروات طبيعية، كان القطن المصري الأكثر رواجا في العالم هو احد اهم روافد الاقتصاد المصري وكانت تصدر بالإضافة له فوائض غلاتها من القمح والأرز، ويمثل دخل قناة السويس رافدا مهما لاقتصادها.
كان أمل إنعاش الاقتصاد معقود على برنامج الإصلاح الزراعي الذي طبقه عبدالناصر ضمن رؤيته لتحجيم قوة رأس المال وإعطاء الفلاح فرصة لتملك الارض التي يزرعها أملا في زيادة الانتاج، إلا ان فتحه المدن الكبرى أمام الفلاحين للدراسة والعمل شكل فرصة للكسب السريع اغرت الفلاح ببيع ارضه والاستقرار بالمدينة، ووجد التجار فرصة للاستثمار العقاري في الأراضي التي اشتروها بأثمان زهيدة من الفلاحين فبنوا مدنا جديدة لتستوعب الزيادة العددية التي فرضتها هجرة الريف للمدينة وزيادة معدل الولادة وحياة المواليد بوجود الرعاية الصحية.
كانت القيادة المصرية آنذاك منشغلة في الترويج للقومية العربية ولحرب إسرائيل ولم تكن قد وضعت استراتيجية لاستيعاب الريف في المدن ولا لمعالجة تراجع مساحة الاراضي الزراعية التي استمر بيعها وتحولها الى مبان صماء، فانتهت سيطرة القطن المصري على الاسواق العالمية وقلت عوائده ولم تعد محاصيل القمح والأرز تكفي للاستهلاك المحلي فاضطرت الدولة لاستيراده بعد ان كانت مصدرا عالميا له، ومع نكبة الـ 67 وبرنامج اعادة التسليح وحرب الاستنزاف اخذ الاقتصاد المصري في الانهيار فدخل الدولة كان قد وجه للاعداد للحرب وإجلاء اسرائيل من الأراضي التي احتلتها ومن اجل القضية الفلسطينية التي كان عبدالناصر شديد الإيمان بها.
تدريجيا اخذ التعليم بالتراجع وتدنى مستوى الخدمات وازداد ضغط الزيادة السكانية على البنية التحتية للبلاد التي لم تكن مجهزة لهذه الاعداد من السكان وتسلل الفساد الى كل مناحي الحياة واستسلم المجتمع له بعد ان فشلت الجهود في وقف انتشاره.
التجربة الكويتية المشابهة كانت اقل درامية فثروة الكويت الطبيعية مكنتها من استيعاب «الكويتيين الجدد»، نتاج التجنيس العشوائي وتزوير الجنسية، ولم يعان اقتصادها كثيرا خاصة مع الزيادات في أسعار النفط، الا ان الفساد تسلل مع الزيادة السكانية واصبح مسبب القلق الاجتماعي الرئيسي والتهديد الاكبر لأمن الوطن واستقراره فالمتابعة الشعبية لمخالفاته لا تكاد تتوقف ومعها ينتشر غضب شعبي غير محدد المعالم ولا حلول معه، يقابله لامبالاة حكومية بل ومشاركة صريحة به كما في الفساد الاداري بالتعيينات البراشوتية والمالي في المناقصات التي تحوم حولها الشبهات وفي الهدر الذي تمارسه مؤسسات الدولة وعزز هذا الوضع المرتبك سياسة متساهلة في تقديم القروض والمنح لدول كانت مؤيدة لاحتلال الكويت، مما زاد من الغضب الشعبي سريع التراكم وسريع الاستدعاء سواء من حسني النية أو من المندسين الطامحين لإسقاط نظام الحكم.