علي الدقباسي
يفترض ان الذين يتولون الشأن العام يكونون هم النخبة، أقول يفترض ولا أجزم، وفي عالمنا العربي تحديدا، تثير كثير من القضايا الجارية على الساحة علامات تعجب واستفهام في تصرف بعض المنوط بهم ادارة الشؤون العامة، ويفترض انهم النخبة، وهذا يثير التساؤل ان كان هؤلاء الذين يفكرون ويتصرفون ويتعاركون هم النخبة فماذا يكون تصرف عامة الناس؟
اعرف ان كلامي عام وهنا أسوق مثلا للدلالة وليس حصريا، النموذج الفلسطيني على سبيل المثال، المتعاركون وفاقدو الثقة والمتناحرون هم النخبة، وفيهم من يحمل ألقابا قبل اسمه مثل المناضل والداعية والبطل وفي النهاية غير قادرين على التفاهم بينهم، ولا يثقون ببعضهم، ويطالبون العالم بالتفاهم معهم وبالثقة فيهم.
كيف يكون ذلك؟ كيف يطلب ويجرؤ الفلسطينيون المتقاتلون من العالم العربي ان يثق بهم وان يتفاهم معهم ويتوحد في موقفه السياسي حولهم، وهم يذبحون نساءهم ويجوعون أطفالهم، ويحرقون جهادهم ويهدرون تضحيات شهدائهم، أليس هذا شيئا غريبا وعجيبا، أليسوا هم نخبة الشعب الفلسطيني، أو هكذا يفترض، أليس هذا الوضع المقلوب يجعلنا نتساءل ان كان هؤلاء - النخبة - فكيف حال العامة؟
حتى لا أظلم الفلسطينيين وحدهم، فهذه مشكلة عامة في عالمنا العربي، ومن يتولون الشأن العام يضجر معظمهم من الرأي الآخر ولا يرحب بأي طريقة لتداول السلطة، ويعتبرون معارضة الحكومة خيانة عظمى.
ومسألة الديموقراطية ترف، وحرية الصحافة تجسس، واحترام حقوق الانسان اعتداء أمني، وكل شيء بالمقلوب، ناهيك عن الاتهام بالتآمر ان حاولت ان تبدي رأيك في قضية مثل رفع سعر رغيف الخبز.
ارهاب لا حدود له يمارس يوميا ضد الشعوب ويرعبهم ويحجر عليهم وكأنهم ضعاف العقول، وهذا في الوقت الذي يبدع فيه العقل العربي في الطب والفيزياء والكيمياء وفي الرياضة والاستثمار وحتى بالسياسة ولكن خارج حدود العالم العربي، والأدهى من ذلك وأمر ان كثيرين لا يعرفون حتى الساعة سببا لهذا التدهور.
في رأيي ان أول سبب عدم وجود الحرية، والخوف من الشعور بالانسانية، وثاني الأسباب هو الجهل، ملايين العرب لم يحصلوا على تعليم، وملايين أخرى وجدوا معوقات أمامه، وملايين كان الفقر سببا في هجرهم مقاعد التعليم، وصاروا أنصاف متعلمين، والفقر والجهل والمرض والعيش في أجواء الخوف أوصلنا الى هذه المرحلة ولانزال في المشكلة نفسها مادامت وجدت الأسباب المؤدية اليه.
ما يجري في غزة نموذج على ما نقول والنخبة العربية غير قادرة على انهاء هذه الأزمة وفي مقدمتهم الفلسطينيون، لأن بعضهم يستثمر جوع ومرض وبرد وعذاب الفلسطينيين للوصول الى السلطة. لذا نقول ان نخبتهم فشلت وعليها التنحي وهذا أسلم وأشرف لهم من المشاركة في هذه الكارثة الانسانية وربما كان العامة من الناس أفضل منهم مادام كل شيء عندنا بالمقلوب في عالمنا العربي وفي الشأن الفلسطيني، والسؤال هل المشكلة في العرب أم ان العرب هم المشكلة؟
الفلسطينيون اتفقوا على التضحية في كل فصائلهم واختلفوا من يحكمهم.