غياب مرجعية الفتوى والضوابط المحددة لمن يتعرض لها من أهم أسباب حالة الاحتقان التي نعاني منها على صعيد التيارات والمذاهب قاطبة، فالتجرؤ على الفتوى أصبح ظاهرة تستحق الدراسة وتحتاج إلى تدخل سريع، حيث ان لسان حال الأمة يقول: «ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟» خصوصا في ظل المنافسة المحمومة بين رجال الدين للظهور عبر جميع وسائل الإعلام بكل غريب وطريف.
لا نقصد الإساءة لرجال الدين الذين لهم كل الاحترام والتقدير، ولكننا نصف واقعا مؤلما، ونوضح مشاهده دون زيادة أو نقصان، فعلى مدار التاريخ الإسلامي لم يكن مقعد المفتي يوما كلأ مباحا ووسيلة للتجرؤ على الدين تفرق جموع الأمة وتثير الجدل والبلبلة حينا والضحك أحيانا، خصوصا مع كثرة وتنوع وسائل الإعلام وتطاحنها على نقل مثل هذه الأخبار.
إليك عزيزي القارئ غيض من فيض مثل هذه الفتاوى وبالطبع سيكون الحكم الأخير لك: احد المشايخ أفتى ضمن برنامج إذاعي بقتل أصحاب القنوات الفضائية «قضاء»، ووصفهم بالمفسدين في الأرض، كما أفتى آخر بوجوب جلد وسجن الصحافيين والكتاب الذين ينتقدون رجال الدين وفصلهم من أعمالهم وهذا ما أفتى به أيضا شيخ الأزهر السابق المرحوم د.محمد سيد طنطاوي حيث رأى بضرورة جلد الصحافيين المتجاوزين في حق رجال الدين لمجرد انتقاد وجّه إليه، ومن ضمن أكثر الفتاوى المثيرة للجدل كانت تلك التي أصدرها عميد كلية الشريعة الأسبق بجامعة الأزهر رشاد حسن خليل التي تقضي ببطلان زواج أي رجل وامرأة يخلعان ملابسهما تماما أثناء ممارستهما للعلاقة الزوجية، بالإضافة إلى فتوى مفتي مصر د.علي جمعة الخاصة بالتبرك ببول النبي وفتوى منع ألعاب البوكيمون التي أصدرتها اللجنة العليا للبحوث العلمية والشريعة الإسلامية، والتي رفضت «سيطرة» حلقات الكرتون اليابانية الشهيرة باسم «بوكيمون» على عقول الأطفال، حتى «ميكي ماوس» الشخصية الكرتونية الخيالية الشهيرة لم تسلم من سياط الفتوى حيث أفتى الشيخ المنجد ان «ميكي» يجب أن يقتل في الحل والحرم. تنوعت وتعددت الفتاوى حتى وصلنا إلى فتوى رضاع الكبير التي أثارت موجة كبيرة من الجدل مثل فتوى إباحة الغناء للشيخ عادل الكلباني.
لا نتهكم على الفتاوى ولا نشكك في صحة الأحاديث، ولسنا مؤهلين لذلك، ولكن من حقنا أن نطالب بوقفة تأمل تجمع شتات الأمة وتحد من نزيف الفتوى من خلال مرجعية واضحة تحدد المخول بها من العناصر المؤهلة القادرة على التصدي لها في كل مذهب من المذاهب حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة لدرجة تجعلنا في حاجة إلى مفتي لكل مواطن. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[email protected]