تنفق الدولة مئات الملايين سنويا على التعليم والصحة والأمن الاجتماعي وسائر الخدمات المجانية وشبه المجانية الأخرى، فهل ساهم ذلك في التأثير على سلوك المواطن والمقيم نحو دفعه ذاتيا لاحترام القانون والنظام؟
مرات عديدة وأنا ألاحظ تزايد أعداد الوافدين إلى العاصمة البريطانية لندن من أوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا، إما لاجئين أو باحثين عن فرص عمل أو حتى طامحين للعيش بأمان، وقد سألت نفسي لماذا رغم تنوعهم هذا يحترمون القانون ويتقيدون بالنظام؟ فالملاحظ أنه وبالرغم من اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم وأنماط حياتهم وسلوكهم في بلدانهم التي وفدوا منها إلا أنك تجدهم رغم تنوعهم هذا ملتزمين بمسطرة النظام الإنجليزي بالرغم من أن الكثير منهم نشأوا في دول عانت ولاتزال من فساد الأنظمة وغياب القانون، وهذا ما يبرر تساؤلنا مرة أخرى، ما السر الذي ألزمهم باحترام القوانين وما السر الذي يمنعنا من احترامه في ديرتنا وهل العلة في الناس أم في القانون؟
والإجابة الوحيدة التي توصلت لها باختصار أن الإنسان هو ذاته في نيكاراغوا ورواندا والكويت وبريطانيا وبنغلادش، لكن الفارق يكمن في مدى قدرة القانون والنظام العام في أي من هذه الدول على «التطويع الذاتي» أي تطويع الناس ذاتيا لاحترامه من خلال مبدأ «القانون للجميع وعلى الجميع» وهذا ما لن يتحقق عندنا في المنظور القريب بسبب الفكر العشائري السائد في مجتمعنا الذي نختصر فيه القانون والنظام في إطار ما يمكن أن تجنيه دوائرنا وانتماءاتنا الضيقة منه وبالتالي مهما صرفت الدولة ومهما تعلم الناس وصحت عقولهم وأجسادهم لن يلتزموا النظام إن كان في غير مصلحتهم، وما يدفعهم لتثبيت هذا النوع من القناعات هو المزاد البرلماني الحكومي الذي لا ينتهي أبدا بذريعة قواعد اللعبة السياسية (امحك لعبة) فإذا كان حال السلطات «اشتعطيني وامشيلك» فكيف تتكون قناعة ذاتيه لدى الشعب في التزامه بالقانون والنظام؟! ويبقى السر في الخلطة.
[email protected]