صراع متكرر وقسري أعيشه مع ذاتي منذ فترة أحاول جاهدا من خلاله أن أمنع نفسي عن خداعها كما فعلت في المرات السابقة عندما أوهمتها بأن كل هذه الأزمات التي نعيشها في الكويت هي نتيجة «لصراع التحول» الذي لابد أن نمر به كشعب كي ننتقل تدريجيا من دولة الأعراف والعشائر إلى دولة الدستور والمؤسسات.
50 سنة قاربت على المضي منذ أن تعاقد الحكم مع الشعب على بداية انطلاق عملية التحول فما نتائج هذا التحول؟ هل استطعنا أن نصنع الفارق سلطة وشعبا؟ وهل أنضجنا التحول بالقدر الذي كان المتعاقدون يأملونه ويعولون عليه؟ أسئلة كثيرة متقاطعة ومتداخلة أقسم لكم أنها تستنزف طاقتي المحدودة بسبب الواقع الذي يجب علي أن أتعايش معه يوميا ولا أستطيع أن أنفصل عنه. إنني مؤمن بأن بوادر التحول في زمن والدي، هذا المواطن البسيط رحمه الله، والتي لم يقدر لي أن أعيش لحظاتها الخالدة هي أجمل بكثير من الواقع الذي أنا مضطر لأن أتعايش معه الآن، فبدايات التحول كانت في حدودها القصوى عندما نمت وأثمرت دستورا علمني والدي أن أعتبره مظلة الأمان التي تحجب عني أشعة الجهل والتخلف وسلاحا أقوى به على محاربة كل دخيل على حريتي وحصنا منيعا يصد معتقدات الأزمان الغابرة والعقول المتحجرة. لكني يا والدي وللأسف وبفعل هذه الأزمات المتلاحقة لم أعد أملك القدرة على التمييز بين حامي الدستور والمنقض عليه، بين الداعم لركائزه ومقوض أركانه، بين الذي يدعي وصله ويقطع أوصاله. استميحك عذرا يا والدي لن أقوى على أداء الرسالة في ظل هذه الظروف كما كنت تتمنى والتي حملتني نشرها في المجتمع وفق المعايير التي التزم جيلك بها وهي أن الوطن يسع الجميع وأن كل الكويتيين اخوتي لا يجوز لي أن أنتقص من قدر أي منهم فهم أشقائي في المواطنة، وألا أعتدي على حرية أحد حتى لا أمكن الآخرين من الاعتداء على حريتي، وأن أكون أنا في خدمة الوطن قبل أن يكون الوطن في خدمتي.. أبي رحمك الله ليتك لم تغرس في كل هذه القيم وتحملني أمانة الالتزام بها لأني كلما حاولت واجتهدت في نشرها تعرضت للعنة التصنيف المقيت. لن أطيل أكثر لأنني كنت معتقدا قبل كتابة هذه السطور أن البوح بما أشعر سيريحني، إلا أنني الآن متعب ومجهد بالقدر الذي تمنيت عنده أنني لم اكتب هذه السطور.
آخر رسالتين:
إلى وطني: قدرك أن الذي يجرحك ويدميك هو خناجر أبنائك
إلى والدي: أرجو أن تسامحني
[email protected]