الذمة تعني مراعاة العهود والحفاظ على الحرمات والضمير هو ذلك الحارس اليقظ والمراقب الفطن الذي يدعوك ايها الانسان ويرشدك الى فعل الخير ويحذرك من فعل الشر، ويهمك ارضائه ويحزنك غضبه، يرحب بك اذا اطمأن، ويحزنك اذا انزعج، وكلما زاد ايمان المرء قوي ضميره وكلما خف اندثر.
فالضمير هو صوت الحق الذي ينادي من اعماقنا للعمل على خلق حالة توازن لأعمالنا وعلاقاتنا المحيطة لندرك ماهية الحسن وجماله، وقباحة القبيح وشناعته، مصحوبا بالقدرة على اصدار احكام اخلاقية مباشرة على قيمة هذه الاعمال والافعال فهو من يحدد موقف المرء ازاء سلوكه وينبئ بما سيترتب على هذا السلوك من نتائج.
وقد يتضمن الضمير الحكم على الافعال المستقبلية فهنا سيكون صوتا داخليا آمرا او ناهيا وان تضمن الحكم على الافعال الماضية فسيكون مصحوبا باللذة او الألم او الارتياح او الندم تباعا لمدى نقاوة وايجابية الافعال محل الحكم من سلبياتها وقباحتها.
ورغم انني اشعر من خلال حياتنا المعاصرة بغياب الذمة والضمير عن الكثيرين وقيام البعض الآخر ببيع ذمته وضميره بأقل من سعر التكلفة لدرجة انني اتساءل هل حقا انعدمت الذمة ونام ضمير الانسان واصبح يسعى فقط الى مصالحه الشخصية حتى لو تعدى على حقوق الآخرين واصبح الاخ يأكل مال اخيه والجار يسرق جاره والصديق يتخلى عن صديقه اذا ابتسمت له الدنيا، والأب ينسى فلذات كبده حينما يصاب بنزوة من النزوات.. والأم لم تعد اما حينما تركت صغارها للخادمة التي اصبحت بديلة لها والموظف لم يعد موظفا امينا في عمله والناس جميعا يلهثون ساعين الى تحقيق المزيد من ملذات وزينة الدنيا بلا ذخيرة من الحب والرحمة وخوف من الوقوف امام الديان يوم الحساب.
ولو كان الانسان بصيرا وتأمل آيات الله واستقرأ سننه لأدرك ان الحياة ستكون بخير اذا ما ادى اعماله وواجباته بإخلاص وبضمير يقظ وهنا سيصبح المجتمع منتجا قويا يؤازر بعضه بعضا ويعم التكافل والتراحم وكل هذا يتأتى حينما نحرص على وجود ذمة تراعي العهد وتحفظ الحرمة وضمير يقظ يراقب تصرفاتنا وينبهنا الى عثراتنا قبل الوقوع بها.
ويستطيع المرء ان يرضي ضميره وذلك حينما يركز على ما يقوله ويفعله باتباع منهج الله سبحانه والالتزام بسنة نبينا الاعظم وان يضع العقل امام النطق لنفكر فيما نريد ان نقول قبل ان يتفوه به اللسان وان نستحضر قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وان نتذكر قول المصطفى محمد ( صلى الله عليه وسلم ): «إنما الاعمال بالنيات وانما لكل امرى ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه».
وكل من الذمة والضمير ينموان ويتحققان في كينونة الانسان نتيجة التربية والمؤثرات البيئية وتجارب المرء المبكرة ومكتسباته من اسرته ومجتمعه فالضمير صفة بشرية يكمن تأثيره من خلال السلوك في المجتمع ومع الآخرين، لاسيما حينما يصدر الانسان قرارات صعبة وعادلة في ساعة محنة او شدة او غضب او في اي موقف قرارات تتطلب الصدق والتضحية والشجاعة والاعتراف بالجميل او تعبر عن مشاعر انسانية كالحب والتسامح والشفقة والاحترام والمعيار الاول لإنسانية الانسان هو الضمير الذي ينشأ في نفسه ويفعل من خلال التربية ووسائلها في البيت والمدرسة والشارع والمؤسسات المختلفة المؤثرة ونحن وفي هذا الوقت العصيب بأمس الحاجة الى تنمية الضمير وايقاظه لننضج ونسمو في انسانيتنا الى الحد الذي نخضع فيه لحكم الضمير وحده في تصرفاتنا وعلاقاتنا وعملنا من دون ان نخشى عقاب او ننتظر ثواب.
وحتى نحافظ على راحة الضمير يجب ان يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، وهذا ليس صعبا مقابل ما سنجنيه من سعادة وراحة نفسية عظيمة.
اختم بالقول ان الذمة والضمير نعمة ومنظومة اخلاقية متكاملة تسير الكون ويجب ان نشكر الله عليهما وانصح الجميع ونفسي اولا بأن نسمع لصوت الضمير وننفذ ما يدعونا اليه حتى نجلب الراحة والسؤدد لدنيانا ونرحم في آخرتنا، فالضمير موجود دائما وحي يلازم المرء ويحلق معه في رحاب الخير.
نود التنويه بشأن ما ورد بمقال العدد السابق الصادر في 9/3/2008 في المقتطف الخاص بإعادة البرامج وتحديدا برنامج «عالم الأسرة» الاذاعي وليست القنوات التلفزيونية.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمـــئنا.