عصرنا الحالي يعتبر عصر العلم والمعرفة، فالحاجة الى الدراسات والبحوث العلمية والتعليمية اليوم أشد منها من اي وقت مضى، فلقد غدا العالم في صراع محموم للوصول الى اكبر قدر ممكن من التحصيل والمعرفة العلمية.
فالذي يدرك عظمة سلطان العلم يعي ان قيمة الوطن وعلياءه تكمن في علمائه وعلومه، ويسعى جاهدا الى تسخير جميع القدرات لتشجيع البحث العلمي، لأنه الميدان الخصب والدعامة الأساسية لاقتصاد الوطن وتطوره ومن ثم تحقيق رفاهية المواطنين بالمحافظة الدؤوب على المكانة العلمية الرفيعة.
فالبحث العلمي يعتبر ركنا جوهريا من اركان المعرفة الإنسانية في حقولها المختلفة، كما يعد ايضا الصفة البارزة للعصر الحديث، والدول العظمى التي تدرك اهمية البحث العلمي ترفض اي تقصير نحوه، ليقينها أن تطورها ونموها وازدهارها واستمرارها رهينة به، فكيف لنا ان نتغلب على الأمراض والأوبئة وحل المشاكل الاقتصادية والصحية والتعليمية والسياسية وغيرها من دونه؟ وأنى لنا المقدرة على تفسير الظواهر الطبيعية والتنبؤ بها وصولا الى تعميمات وقوانين عامة من غير الاعتماد عليه؟ وليتسنى لنا ايضا التطور وبآلية سريعة تتغلب على كل المشكلات التي قد نواجهها بطرق علمية بحتة، وتظهر اهمية البحث العلمي في وقتنا الراهن بشكل كبير نظرا لظهور مشاكل صحية خطيرة، وظواهر طبيعية تحتاج لأدوات علمية وبحثية وجهد مميز لتطويعها، والسبيل الوحيد لذلك هو البحث العلمي.
وهناك عوامل تساهم في خدمة وتعزيز البحث العلمي، اهمها تشجيع الحكومة وتسخير الامكانيات والموارد المالية المستقرة، اضافة الى توافر جهاز علمي متكامل ومتوازن من باحثين وفنيين واداريين، يعمل ضمن خطة علمية واستراتيجية واضحة، لأمد بعيد وضمن شروط حازمة للرقابة العلمية والادارية تديرها هيئات علمية، تعمل في مجال المشاريع بالبحث والتطوير التقني وتتجدد مواردها البشرية بنسب معينة لا يتجاوز الثلث كل خمسة أعوام.
ولابد ان يتحلى الباحث العلمي بصفات مثل حب الاستطلاع والرغبة الذاتية في البحث والتقصي والتفتح العقلي، بمعنى تحرر التفكير من الجمود وتقبل الآراء - حتى لو تعارضت مع آرائه - وحب المعرفة والقراءة الدؤوب، اضافة الى الموضوعية، فالباحث لابد ان يتصف بالحياد العلمي والنزاهة وعدم التمييز وعدم الذاتية، فالتحلي بالموضوعية يعني القراءة والتحليل والمحايدة والبعد عن الأهواء الشخصية عند اجراء البحث ومهارة القراءة الهادفة ومهارة الوصف الكمي والكيفي والتحليل والنقد والتفسير ومهارات الاتصال بالآخرين والاقناع عند التعامل معهم، اضافة الى مهارة استخدام علم الإحصاء.
ولقد اشارت الاحصائيات والدراسات في هذا الصدد الى ان الولايات المتحدة الاميركية واليابان والاتحاد الاوروبي انفقت مليارات الدولارات على البحث العلمي، وكذلك الحال بالنسبة الى ماليزيا فقد غدت بفضل سياستها العلمية والتقنية الدولة الثالثة في العالم في انتاج «رقائق اشباه المواصلات»، بعد ان أولت قطاعات الاتصالات والمعلومات أهمية قصوى، ومما لاشك فيه ان ما حققته تلك الدول من تطور تقني وعلمي واقتصادي مكنها من السيطرة على أسواق العالم، وهذا يعزو الى نجاحها في تسخير البحث العلمي في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رسم سياسات علمية وتقنية فعالة وشاملة تعززها استثمارات كبرى.
وازاء ما سبق وحتى تتسنى لنا مواكبة هذا التقدم العلمي يكون لزاما علينا ان نتخذ من الوسائل الكفيلة لتأهيل المواطن المفكر ودعمه في البحوث التطبيقية لاثراء النهضة المرجوة والمشاركة في الحضارة الحديثة لكي نلعب دورا مهما في مسيرة التنمية والحضارة الانسانية والعلمية.
وأوصي بتعميق روح المسؤولية العلمية وتنمية العمل واثارة الحوافز العلمية لدى الطلبة لاسيما في العلوم البحثية وتحديث المخططات العلمية مع توسيع دائرة التعليم العالي لتشمل جميع العلوم، وتحديد اختصاصات المراكز البحثية والمؤسسات العلمية ليغدو وطننا وبمشيئة الله واحة علم وعمل نعيشه ونسعى اليه جاهدين.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا.