إن الإسلام يشدد على أهمية المحافظة على أرواح البشر جميعا بغض النظر عن جنس أو لون أو ملة، ويدعو الى العمل على نشر الأمن والطمأنينة بينهم ولا يبرر أي عمل متطرف ينال من حياة الأبرياء سواء أكانوا مسلمين أم من غير المسلمين.
وما يسمى بالعمليات الانتحارية التي تقوم بها فئة ضالة ألحقت الضرر بصورة الاسلام ومبادئ ديننا الحنيف، بحيث تم استغلال نهجهم الخاطئ من قبل المتربصين بالاسلام وسعوا الى استخدامه كوسيلة من وسائل تشويه الاسلام ومحاولة تزييف مفاهيمه وحقائقه التي تنضح بالمحبة والسلام وتنادي بأهمية المحافظة على أرواح البشر لما لهذه الروح من قيمة عظيمة عند المولى، والمساس بها لا يبرر ولا يجوز الا من خلال حدود القصاص الشرعي.
فتلك التفجيرات التي تحصد أرواح الأبرياء محرمة لأنها مبنية على الخيانة والغدر، ومما لا شك فيه انها تصدر عن أناس جاهلين بأصول الشريعة فيعملون أعمالا مبنية على العاطفة أو المال أو العقيدة من دون ان ينظروا الى حقيقتها وهل هي مباحة من عدمه، فبعاطفتهم يرون انها رد على ظلم الأعداء وأنها الصواب، ويتناسون انها جناية على سائر المسلمين، حيث ان العدو يزداد تعنتا ويتخذ من تلك الأعمال ذرائع لفرض ارادته وسطوته على البلاد والعباد، ناهيك عن اظهار الاسلام بمظهر سلبي ذي سلوكيات غريبة مجحفة.
لذا فإن من يصف هذا العمل الانتحاري - السياسي - بأنه شهادة فهذا وصف في غير محله ومردود لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى ان يقال فلان شهيد، لأن الشهادة تترتب على الاخلاص، والاخلاص لا يعلمه الا الله، فمن ثم لا يسعنا ان نطلق وصف الشهادة على أولئك، خاصة ان عملهم عمل جاهلي، فما يترتب عليه من ضرر جسيم يفوق أي مصلحة قد يتصورونها، ولا يجوز التعاون معهم أو التستر عليهم فالسكوت عنهم يلحق الضرر بالاسلام والمسلمين، بحيث يظن البعض ان ديننا دين ارهاب ودين فساد وخيانة وغدر - حاشا لله - فالإسلام يبرأ من كل هذا، قال ( صلى الله عليه وسلم ): «اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا».
والعمليات الانتحارية تعتبر ارهابا لما فيها من اخافة للآمنين ونشر الفزع والذعر بينهم، فالخائف لا يسعد عيشه، ولو توافرت له مطايب الحياة، لذا فقد قرن المولى عز شأنه هذين الأمرين بقوله تعالى: (الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
ولا ضير في اعتبار من يتستر على اولئك المجرمين بأنه منهم ومتعاون معهم وملعون وفقا لقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): «لعن الله من آوى محدثا»، وهم بعيدون عن ملة الاسلام السمحة والآمنة، ولعل تلك العمليات التي يقومون بها خير دليل عن خروجهم نهج الاسلام الحق الذي حرم قتل النفس الا بالحق واعتبره من أعظم الكبائر وأبشعها.
ولا شك في ان عمل اصحاب الفكر الضال أو المنتحرين خاطئ، ولا يتفق على صحته أهل العقول الرزينة لمخالفته لكتاب الله وسنة نبيه ولاجماع المسلمين، وليت تلك الفئة المتطرفة تعمل عقولها وتسأل نفسها أين هم من حساب الله؟ هل في قتال المسلمين وغير المسلمين الآمنين والأبرياء وتيتيم أسرهم من الجهاد في شيء أم انهم عبارة عن أجساد بلا عقول تعمل بالإيماءات والأوامر الخارجية التي توجههم وتملي عليهم ذلك الفساد؟ ليتهم يراجعون انفسهم ليعلموا حقيقة جلية ألا وهي انهم أساءوا للاسلام أيما إساءة وانتهكوا قيمه ومبادئه وأعطوا صورة سيئة عنه كانت المدخل لأصحاب العقول المريضة لممارسة الغلو ضد الاسلام وتصويره بصور مشوهة.
فالعمليات الانتحارية اسم على مسمى ولا ينال من ذلك ما يذهب اليه البعض من تسميتها عمليات استشهادية فهم بعيدون كل البعد عن ذلك الاستشهاد، فالغاية السياسية وحب الوصول الى زمام السلطة والتحكم بالعباد والبلاد توصم به أعمال تلك الفئة المخطئة ومن يقف وراءهم.
يجدر بنا ان نشد على أيدي اصحاب الفقه الجاد ونؤازرهم في نشر العلم والسنة، ومحاربة البدعة والخرافة والغلو والتطرف، وانقاذ الشباب وتوعيتهم من هذه الافكار المدمرة والسامة لهم ولغيرهم من الأبرياء مسلمين أو غير مسلمين، فشبابنا بحاجة ماسة الى قيام العلماء بالرد المفصل والمسهب على الشبه التي يرددها الارهابيون ودحضها وبيان فسادها واظهار التفسير الصحيح للآيات والأحاديث والآثار التي يستندون اليها ويستشهدون بها وهم في الحقيقة لا يعرفون دلالاتها ومعناها الشرعي المتفق عليه بين العلماء.
فبالوقوف ضد هذه الظاهرة والنظر في العواقب التي تتأتى منها وترجيح أعلى المصلحتين، ودفع أعظم الشرين حينها نكون قد خدمنا الاسلام وأظهرنا صورته الصحيحة المشرقة، ومبادئه الحقة بالتسامح والتعاون وحفظ الأمن والأمان وفقا لنهج نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وسلم )، «رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا».