رغم أننا نعيش في عصر ازدهرت فيه العلوم والتكنولوجيا وتطورت المعرفة الى درجة الذهول في عالم المعلومات إلا انه لاتزال فئات كثيرة تعيش كما في القرون الوسطى، خاصة بعض النساء، نظرا لقابليتهم للاستهواء والإيحاء وخضوع المرأة أكثر من الرجل للضغوط وعدم قدرتها في كثير من الأحيان على المواجهة، حيث تلجأ الى استخدام السحر وتتخذ من الجدل والشعوذة ملاذا آمنا تأوي اليه كلما اشتدت الحاجة.
ورغم أن تاريخ السحر والشعوذة قائم منذ أمد بعيد وله رواده من الجهلة واليائسين ويدر دخلا ماليا كبيرا لمن يعملون به، إلا أن الملاحظ في وقتنا الحالي مساهمة وترويج العديد من الفضائيات في نشر هذه البرامج.
وتتجلى خطورة تلك الفضائيات فيما تروجه من دجل وخلط بين الدين والشعوذة واستخدام الدين غطاء لتلك الأعمال السيئة وتستعين هذه الفضائيات بموظفين يقومون بدور المتصلين من الخارج ليشكروا العرافين والعرافات على سرهم الكبير ونجاح وصفاتهم ويطلقون عليهم ألقابا كالشيخ والشيخة لإدخال المزيد من اللبس على الناس وإيهامهم أصحاب الثقافة الدينية الضحلة بأنهم مكشوف عنهم الحجاب وتحرص تلك الفضائيات على كتابة إيميلات بعض المشعوذين لتيسير الاتصال بهم وتأمين أكبر عدد من الزوار.
ولاشك ان مصدر رزق أولئك المشعوذين يعتمد على نخبة من النساء والرجال المترفين في كثير من الأحيان الذين يعانون من الفراغ وخواء الفكر وضعف المفاهيم الدينية ولا يجدون مشكلة في الاتصال بتلك الفضائيات بدافع التسلية وتضييع الوقت، بالإضافة الى ان هذه الفضائيات تعتمد على اتصالات هؤلاء الزبائن وتتعاون مع مراكز للاتصالات الدولية أو وكلاء لجلب هؤلاء الضيوف ونزف أموالهم.
وبنظرة علمية نرى ان انتشار الخرافات والفضائيات التي تروج لها يعود لأسباب عدة منها رغبة أصحاب الحاجات في تجربة أي شيء علمي، أو غير علمي وصولا لمبتغاهم مثل لجوء الزوجة العاقر الى المشعوذين بأمل البحث عن وسيلة للحمل في حالة فشل العلاج الطبي، أو لجوء المريض بمرض خطير الى وسائل السحر معتقدا انه لن يخسر شيئا بهذه التجربة، هذا فضلا عما تتسبب به الأمية والثقافة الخاطئة والموروثات القديمة في انتشار خرافات السحر والشعوذة ويلاحظ ارتفاع نسبة المؤمنين بقدرات أولئك المشعوذين على تحقيق المعجزات وحل المشاكل المستعصية مما يؤدي الى شيوع المعتقدات الخاطئة.
ومما لا شك فيه ان اللجوء الى جميع وسائل الشعوذة أمر يخالف الشريعة الإسلامية ويعتبر شركا بالله، هذا فضلا عن عدم احترام العقل لمشاهدة تلك الفضائيات التي تروج لهذه الخزعبلات لما تمثله من عبث بالألباب وإهدار للوقت الذي سيحاسب الإنسان عنه أمام ربه فيما ضيعه ومن ثم تغدو متابعة تلك الفضائيات شيئا مكروها، وترسيخ مثل هذه البرامج يضر بالنفوس ويصمنا بتفاهة العقول، والبعد عن جوهر الإسلام الذي يرفع العلم ويبجله ويحث عليه بينما هذه البرامج تدعو الى الجهل وتروج له لدى العامة ممن ينساقون وراء الشائعات ويستسلمون لتلك الأباطيل والأحلام.
ولمواجهة هذه الظاهرة لابد من تفعيل القوانين التي تحظر العمل في السحر والشعوذة، بالإضافة الى ضرورة التصدي لبعض الفضائيات التي انتشرت فيها ظاهرة الشعوذة ومن يدعي بالتطبب، ناهيك عما تبثه ايضا من سموم فكرية لها اثرها الهادف الى تدمير العقول، فلابد من اتخاذ جميع الخطوات الإجرائية الجادة للعمل على عدم بث تلك الفضائيات في أي مكان في الدول العربية أسوة بما تم حظره لبعض المواقع على شبكة الانترنت.
وكذلك أذكر بضرورة نشر المعرفة وفضح أولئك الدجالين وتفنيد مزاعمهم وخرافاتهم تدريجيا مع توفير البدائل والحلول العلمية لإغلاق الباب أمام استحضار الأساطير.
ورغم محاربة الإسلام للسحر والشعوذة إلا ان هذه الترهات لاتزال تحظى بشعبية كبيرة ولها جمهورها العريض من المثقفين والأميين والنساء وأصحاب الثروات وحتى تلك الفئة التي تعيش على قوت يومها، لذا فإنني لا أبالغ حينما أصف جريمة الشعوذة والسحر بأنها تمثل خطرا لا يقل عن جرائم المخدرات.
كفانا ضلالا فنحن أمام منزلق خطير لن نجني من ورائه إلا ضياع ديننا وعمرنا وثروتنا بالانسياق وراء أولئك الدجالين، يقول المولى عز وجل في محكم كتابه: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) وقال رسولنا الأكرم ( صلى الله عليه وسلم ): «من أتى عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد».
وهناك أيضا محطات فضائية، لا تقل كذبا ودجلا، فهي تتذاكى من خلال استخفافها بعقول المشاهدين بانتهاجها لبرامج هابطة تعرض على شاشاتها بأسلوب الإثارة والتشويق ودغدغة المشاعر بالربح والثراء بالمسابقات، وتحت عناوين مختلفة تصب جميعها تحت مسمى (فكر واربح).
يضاف الى ذلك مقدرة مقدمة البرنامج على الأكشن والحركات المبتذلة في تهنئة الرابحين بحصولهم على عشرات الآلاف من الدولارات مع الوضوح التام للمشاهد بسوقية الأسئلة وسخفها وبساطتها وفي النهاية لا يوجد هناك دولار لأي فائز ممن حالفهم الحظ، وما هو الا اتفاق مسبق بين تلك المحطات الفضائية وشركات الهواتف النقالة على نسبة معينة لتلك المحطات عن الاتصالات سواء أكانت مكالمات أو مسجات التي ترد إلى هذا البرنامج أو ذاك.
وهناك التحذلق والتذاكي الحاصل من متلقي الاتصال بتلك الفضائيات بأسلوب فاضح بالسرقة المكشوفة للمتصلين وطبعا كل هذا يتم تحت سمع وبصر أصحاب تلك المحطات غش وسرقة وكذب وتدليس، هكذا أصبحت الرؤيا أمام أصحاب النفوس المريضة بالاغتناء السريع وتجميع الثروة فالإنسان أصبح بزمن يفتقد فيه للمصداقية والقيم والأخلاق الحميدة، وطفت على السطح كل الطرق المبتذلة من أجل الثراء.
أوصي بتقوى الله والتوكل عليه واللجوء إليه فله الأمر من قبل ومن بعد قضاؤه نافذ وقدره كائن ولا راد لما قضى سبحانه هو أملنا وملاذنا وكاشف بلائنا.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا