كانت جرائم السطو والسرقات نادرة ومحدودة وكان المواطنون في السابق يشعرون بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ولكن تطور الحياة وما أفرزته من واقع جديد يسلب الطمأنينة ويثير القلق في النفوس، فلقد أصبحت حوادث السطو والعنف وسرقة الممتلكات والسيارات حوادث يومية، لا تكاد تخلو صحافتنا المحلية من ذكر عدد من الوقائع في هذا السياق، ويؤكد ذلك التقارير الإحصائية الصادرة عن أجهزة الأمن الرسمية التي تشير الى تصاعد خطير في معدلات جرائم السطو والسرقات وتعدد أنواعها وأساليبها واختلاف طرق تنفيذها، إضافة لتعدد الجنسيات التي تقدم على مثل هذه الجرائم من كل فئات الأعمار.
ولن ينفعنا التحسر على الماضي وإبداء التذمر وتهويل ما يقع من حوادث فتطورات الحياة لها إفرازاتها ونحن جزء من العالم الذي يعيش المشكلة ذاتها في كل أوصاله وان كان بدرجات متفاوتة فواقع العولمة وانعكاساتها لا يتيح لنا فرصة الاختيار بين ما نريد وما لا نريد.
وهناك أسباب عديدة وراء هذا الارتفاع في معدلات جريمة السرقة من أبرزها هذه العمالة السائبة بالآلاف التي جلبتها الشركات الوهمية وتركتها تهيم بالشوارع بأسماء، وللأسف الشديد، مواطنين مقابل مبالغ مالية يتم تحصيلها من أولئك العمال على حساب أمن الوطن وأمانه، إضافة لضعف دور الأسرة وتفككها وإهمال الوالدين لأبنائهم، يضاف الى ذلك عدم قيام المدرسة بواجبها التربوي والديني كما ينبغي، هذا فضلا عن السلوكيات الطائشة والمتهورة والانغماس في الملذات والانفتاح الإعلامي غير المحدود بصوره الغريبة وضعف الوازع الديني الذي يحول دون ارتكاب المحرمات، ولا ننكر تأثير النواحي الاجتماعية والمادية والبيئية والأسرية في تعزيز جريمة السرقة، فالأسرة التي تتفشى فيها الخلافات تعتبر بؤرة نشطة لارتكاب الجرائم وانحراف الأحداث.
ومعالجة مشكلة السرقة تحتاج الى رؤية شاملة وعميقة وفيق معايير تستند على أصول تربوية ودينية وتحليلات علم النفس لفهم مشكلات الشباب ومعاناتهم وأوقات الفراغ التي لا يحاولون استغلالها بما يعود عليهم بالنفع خاصة خلال العطل الرسمية رغم توافر المكتبات العامة والأندية وغيرها من الأماكن التي يمكنهم ملء أوقات فراغهم فيها بدلا من التسكع في المجمعات والأسواق والوقوف على دوافع جريمة السرقة ومحاولة دفع الشباب نحو الالتزام بالانضباط السلوكي والقوانين والأنظمة ومعايير القيم الاجتماعية والدينية.
ولتحقيق هذه الأهداف يجب تحقيق التفاعل البناء مع الشباب وكسب ثقتهم ومحبتهم وإبعادهم عن مشاعر وأجواء العنف والقلق والتوتر فأسلوب الترهيب والعقاب لا يشكل سوى حل مؤقت يتلاشى باختفاء مؤثراته، وتبقى القناعة والتجاوب الذاتي هي الضمانة لاستمرار التزام الشباب مع تطوير وترسيخ موضوع الالتزام والانضباط الإيجابي، فالرعاية والإصلاح لهما أثرهما الإيجابي أكثر من الردع والعقوبة، والتربية والمبادئ الإسلامية تقومان بالأساس على مبدأ الحوار والإقناع والأسلوب الحسن، قال تعالى: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، ودور الأسرة مهم في تكوين شخصية الشاب النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة وتقديم الرعاية والاهتمام والتوجيه، والى جانب دور الأسرة لا ننسى أن نذّكر بأهمية الدور الكبير للمؤسسات الاجتماعية والتربوية والدينية بالاهتمام بعالم الشباب ورعايتهم وتطوير ثقافتهم وشغل أوقات فراغهم بنشاطات متعددة بما يتلاءم مع ميولهم ويشبع احتياجاتهم ورغباتهم المشروعة، فاستئصال أسباب الجنوح منذ البداية هو الأساس في معالجة ظاهرة السرقة، ولابد من التركيز على وسائل الإعلام فلها دور فعال في انحراف الشباب وتدريبهم على اقتراف الجريمة، لذا فإن تفعيل الرقابة عليها يشكل ضرورة وقائية لمنع العديد من الجرائم وليس السرقة فحسب، كما أن تطبيق القانون على الجميع وإنزال العقاب بالمسيء أيا كانت صفته دون محاباة، يشكل رادعا أمام من تسول له نفسه خرق القوانين، بالإضافة الى ضرورة تضافر جهود المؤسسات الاجتماعية والأمنية والتربوية لمعالجة هذه المشكلة وتعزيز ثقافة الأمن والأمان باستخدام وسائل الحماية ضد السرقات كاستخدام أجهزة الإنذار خصوصا أثناء الليل حيث إن لها اثرها في الحد من جريمة السرقة.
وأخيرا نشير الى ان وسائل تقويم اعوجاج الحال لا تكمن في تسوية مشكلة جزئية هنا، واشكالية أخلاقية هناك، بقدر الحاجة الى إستراتيجية اجتماعية عامة تهدف الى إعادة بناء النظام الاجتماعي وفق متطلبات متطورة بحسب تطور الحاجات الجديدة للأفراد، مع الحفاظ على شروط وخصوصيات المجتمع.
نسأل المولى العلي القدير أن يحفظ شبابنا وتتوارى كل المظاهر السلبية في وطننا، إنه سميع مجيب الدعاء.