لا يوجد من لا يشعر بالغضب ولا يوجد من لم يمر بأحاسيسه التي تبدأ من الضيق الشديد وانتهاء الى بركان من الثورة العارمة والغضب جماع الشر لأنه من الشيطان فهو يشل تفكير المرء ويحرك في نفسه نوازع الشر والعدوان فلقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم اوصني قال «لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب».
فالغـــضب يــــؤدي الى التــــقاطع وفــــتح باب الفــــتن والتفــــريق بين افراد الاسرة والاصدقاء، ويجلب على صاحبه كثيرا من الاضطرابات النفسية.
والعاقل هو من يفكر في العواقب السيئة التي تجلبها ثورة الغضب ويتذكر ما وعد الله به الكاظمين الغيظ من اجر وثواب فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله عز وجل».
سئل عرابة الأوسي رحمه الله: بم صرت سيد قومك؟ قال: «كنت أحلم عن جاهلهم، واعطي سائلهم واسعى في حوائجهم».
قال الشاعر:
- لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
- ولا ينال العلا من طبعه الغضب
والإنسان ذو المزاج العصبي لا يمكن أن يحيا حياة طبيعية مثل الآخرين ويكثر مبغضوه وينصرف البشر عنه ويكون العدو الأول لنفسه قال أبوالعتاهية:
- ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم
- عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
كما أن المعاصي تتوالد من الغضب الذي يولد الحقد والكراهية في النفوس ويوقع المرء في ذل الاعتذار والإفراط فيه يخرج المرء من الحق الى الباطل، قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: «إنما يعرف الحلم ساعة الغضب» وكان يقول: «أول الغضب جنون، وآخره ندم، ولا يقوّم الغضب بِذُل الاعتذار، وربما كان العطب في الغضب».
ولتسكين الغضب هناك أسباب يستعان بها على الحلم فليتذكر المرء الله عز وجل وطاعته ووصية رسولنا الأعظم «لا تغضب»، وقال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) وعن أبي ذر رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع».
ومن أسباب الغضب العجب بالرأي والمكانة والنسب والمال والجاه، فالعجب قرين الكبر، والكبر من كبائر الذنوب قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر» ومن أسباب الغضب ايضا كثرة المزاح والمراء وبذاءة اللسان وفحشه.
ولكسر حدة الغضب الإكثار من الاستعاذة بالله واللجوء إليه وترك المخاصمة والحلم واستحضار الأجر والثواب الكبير لكظم الغيظ والفوز بمحبة الله قال تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وليتذكر المرء ان ترك الغضب سبب من أسباب دخول الجنة وزيادة الإيمان والنجاة من غضب الله تعالى فعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: «لا تغضب ولك الجنة».
وللغضب نتائج سلبية كثيرة فكثير الغضب نجده مصابا بالأمراض القاتلة التي تؤثر على جسده وروحه معا ولو استحضر كل شخص قبل ان ينفذ غضبه نتيجة غضب سابق ندم عليه لما اقدم على ما تمليه عليه نفسه، فمنع الغضب اسهل من إصلاح ما يفسده، قال ابن حيان ـ رحمه الله: «سرعة الغضب من شيم الحمقى كما أن مجانبته من زي العقلاء».
وقال ابن تيمية رحمه الله: «ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب وجرعة صبر عند المصيبة» فالتحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية حتى يتسنى للإنسان النجاح في حياته والتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها واخلاقها فانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل دليل على اكتمال العقل ودرجة عظيمة من درجات القوة النفسية.