من الملاحظ أن البطولة الحقة تحولت من أصحابها وانتقلت إلى البطولة الزائفة للآخرين والتي يصدح صدى صوتها في أرجاء الدولة، وفي زوايا بعض الصحف، والسؤال ما السبب الذي جعل بعض النواب والكتّاب في المدونات، والذين لا يتعدون أصابع اليدين، ينحرفون عن أخلاق الكويتيين باستخدام مفردات لم نتعود سماعها وما سبب تجرئهم وتماديهم في الهجوم على أفراد الأسرة دون خوف أو خجل.
الأسر الحاكمة في الخليج بمثابة مظلة تتفيأ شعوبها بظلها، وتبادل المحبة بين الأسرة والشعب يجسد مدى صلابة المجتمع وقوته، والتفاف المواطنين حول الأسرة الحاكمة ومبايعتها يشكل أساسا متينا وقوة مانعة تدفع الأسرة إلى عدم التفريط في واجباتها والسعي الحثيث لتأمين كل ما من شأنه حماية الوطن والمواطن ولولا تسامح هذه الأسرة لما كان لهؤلاء أثر، إلا أن الطيبة التي جبلت عليها الأسرة الحاكمة دفعت البعض الى استغلالها والتمادي في ذلك كما استغلوا ديموقراطيتنا التي تميزنا بها عن غيرنا، ونتساءل ما الذي يجعل الأسرة تلتزم الصمت وهي تتلقى الاتهامات والطعنات يوميا في شخوص مسؤوليها؟! ألا يرى أفراد الأسرة أن من يمتدحها بكلمة يطعنها بمقال؟ وهل كلمات المديح هي المورفين الذي يجبرها على السكوت الذي جعل الغير يستمر في ذلك؟ أم أن الفرقة والخلافات أعطتهم الفرصة؟ بحيث صدق فينا قول الشاعر:
- تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
- وإذا افترقن تكسرت آحادا
من كان نكرة بالأمس أصبح اليوم علما، والبركة في الصحافة التي لمع اسم هذا النكرة من خلالها، أما السبب الرئيسي فهو حسن معاملة الكبار باستقبالهم والسماع لهم والموافقة على طلباتهم واستجابة دعواتهم لمناسباتهم الاجتماعية، مما رفع عصاعصهم وأطال ألسنتهم وألهب أقلامهم بما يضر ولا ينفع.
إن زيادة مجاملة الكبار وتعاطفهم مع هذه النوعية جعلت أهل الديرة يتخوفون على مستقبل بلادهم مطالبين بتغيير المعاملة وفرض الحزم والشدة لضبط الأمور ليتأدب العاصي ويتراجع من هو لسانه أطول منه، ومن يعارض تلك الرغبة فهو منهم، إن ممارسات بعض النواب والكتّاب ليست حرية كما يدعون، ولا تدخل ضمن الديموقراطية، بل هي وقاحة وصفاقة، حتى دخولهم على ولاة الأمر دون بشت هو قلة تقدير واحترام، وتلك الصفات لم تكن موجودة عند أهل الكويت، فالسكوت عن الملاحظات والتصرفات الصغيرة يجعل صاحبها يذهب لأكبر منها، وهذا ما نراه الآن، والذي يشككنا في أن البعض يعاني من أمراض مستعصية ويحتاج إلى العلاج بالخارج، ولا أظن أنه سيجد الطبيب المختص بأمراضه لندرة هذا المرض وعدم وجوده إلا في الكويت وعند هؤلاء فقط، شفاهم الله!
حتى المساومة أصبحت نهج البعض في التعامل مع الحكومة، فما أن تفكر الأخيرة مثلا باتخاد إجراء لمصلحة البلد، حتى نجد مسارعة اللاهثين وراء مصالحهم أينما كانت لعرقلة أي إجراء تتخذه الحكومة وبدء مسلسل الشد والجذب ما بين الحكومة والمجلس حتى يتسرب الملل ومن ثم التراجع عن تنفيذ المشاريع، والمواطن لم يعد يعطي ثمة أهمية لأي مشروع يعلن عنه وإن كان فيه المصلحة الكبرى للبلد فلسان حاله يقول ان هذا المشروع لن يرى النور وهذا ما حصل بالفعل.
نحن بحاجة إلى صحوة ضمير ووقفة مع الذات، فإلى متى يستمر هذا الوضع السلبي؟! فالمجلس جل همه الصراع مع الحكومة والتصيد لها وبدلا من معالجة الأخطاء وتصويبها بحكمة، يسارع البعض إلى تعظيمها وإثارة الفتن والبلبلة بشأنها، والمشاريع مجمدة، والأزمات تتلاحق، والقلوب مشتتة، المواطنون في حيرة من أمرهم، ومن خلف الأزمات في آذانهم صمم ومعزولون عن السمع وينطبق عليهم قول الشاعر:
- لقد أسمعت لو ناديت حياً
- ولكن لا حياة لمن تنادي
فكل جهة تعلق فشلها على الأخرى إلى أن اختلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح، فإن لم نستدرك الأخطاء ونضع الأمور في موازينها وتتكاتف الجهود لإصلاح ما أفسدته تلك الصراعات والسلبيات التي افتعلها من له مصلحة بها، فلا نلوم الا أنفسنا على ما ستؤول إليه الأمور، نذكر بقوله تعالى: (واحذروا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).
ومن يوهم نفسه بأن الغوغائية ستحقق التقدم فهو مخطئ فالشعارات الجوفاء تجاوزها الزمن.
ندعو الجميع إلى عدم التخاذل واليأس، فلابد من لحظة تأمل وصحوة وسماع صوت المنطق والحق بعد كل ذلك الضجيج والصراخ والكيد والبغضاء والخلافات، ألم يحن الوقت لنخرج مما نحن فيه ونصفي النفوس والقلوب التي أصابها السأم والمرض لكثرة هذا الهرج المقيت الذي عشش بيننا ونضم صوتنا إلى صوت الشاعر بقوله:
- إلام الخلف بينكم إلاما
- وهذي الضجة الكبرى علاما؟!
- وفيم يكيد بعضكم لبعض
- وتبدون العداوة والخصاما؟!
إن الكويت أمانة في أعناقنا فأين هي الأمانة التي بعثرها أبناؤها؟!