قبل أن أخوض في مقالتي أود ان أوضح ان وجهة النظر التي سأطرحها تخص أغلب الحركات الإسلامية و«أغلب» تعني أنه ليس جميع الحركات محل اتهام في هذه المقالة، أما تحديد هذة الجماعات والحركات فسأتركه لك عزيزي القارئ، فالنقاش بين الإنسان وضميره لا صوت له وبالتالي قد يكون اختياره أبعد عن التعصب وأكثر دقة وسرية ومغايرا لرأيه المعلن، تعتبر التيارات والحركات الدينية عائقا أساسيا في حل القضية الفلسطينية وليست عاملا مساعدا للتهدئة أو لحل القضية، ذلك ان التيارات الدينية تعتبر القضية الفلسطينية هي حرب دينية بين المسلمين واليهود وليست حربا سياسية عسكرية إستراتيجية، ما يعني أن الدولة الإسرائيلية تضع باعتبارها أن هذا الفكر يشكل خطرا دائما عليها لا ينتهي بانتهاء مشكلة ترسيم حدود الدولتين، وبالتالي ومن هذا المنطلق فإن توجه التيارات الدينية، كما ينظر له الكيان الصهيوني يعتبر خطرا لابد من التصدي له من خلال مبدأ «الهجوم خير وسيلة للدفاع»، وذلك بإضعاف الدولة الفلسطينية كمؤسسة وتأمين حدودها مع باقي الدول الإسلامية والعربية.
أعلم يقينا كما توقنون ان هذا المنطق لا يبرر الجرائم التي يرتكبها الصهاينة كنظام سياسي إلا أنني أعتقد أيضا ان التعصب والغلو لدى أغلب التيارات الدينية هو أحد أكبر العوامل التي تعتبر عائقا أمام حل العديد من قضايانا وإعطاء المبررات لإسرائيل وغيرها من الدول لسفك دماء المسلمين والعرب تحت عذر خطورة الإرهاب الديني الذي تمارسه هذه التيارات في جميع القضايا المطروحة وليست القضية الفلسطينية فقط.
المصيبة العظمى لا تكمن في هذه النظرة التي ينظر لها الكيان الصهيوني والتي يعكسها فكر اغلب التيارات الإسلامية، المصيبة ان هذه الصورة التي تعطي الذريعة الكبرى لإسرائيل وللمجتمع الدولي غير الإسلامي هي صورة غير حقيقية وأقصد بغير حقيقة انها مجرد فكر من مجموعة من مدعي الإسلام لم ولن يترجم إلى حرب حقيقية، بالتالي فنحن نتحمل عبء فكر ليس حقيقيا إنما هو مجرد شعارات هدفها الوصول للسلطة، أقصد غير حقيقي عندما لا يتعلق الأمر باختلافهم مع مسلمين آخرين، حيث يلبسون اللباس العسكري ويسافرون ليقتلوا ويقتلوا، أما حين يتعلق الأمر بفلسطين فأقصى ما يفعلونه هو لبس الغترة والعقال والتجمع بالساحات وإلقاء الخطابات وقد تصل بهم الوحشية الى حرق علم إسرائيل، يبدو لي كما يبدو لكم ان الكيان الصهيوني يعلم ذلك ويعلم ان هدفهم السلطة ولكن في ظل حرب في القرن الواحد والعشرين والتي تلعب فيها المؤسسات والهيئات الدولية دورا مهما في ترجيح موازين القوى يجب ألا تعطى الذريعة للخصم أمام هذا المجتمع الدولي المنحاز أصلا للكيان الصهيوني من خلال مؤسساته الرسمية وليس على المستوى الشعبي على الأرجح.
ان التيارات الدينية السياسية في شتى الميادين تبدأ حملاتها بحجة محاولة إسقاط مؤسسة فاسدة، حتى تسيطر عليها، ثم لا تسقطها، ولنا في إخوان مصر خير دليل حين كانوا يطالبون على مدى عشرات السنين بقتال الدولة الصهيونية وإبادتها بل كانوا يرفضون إبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية، وأن القضية هي قضية وجود وإنهاء وجود، حتى وصلوا إلى السلطة عن طريق الانتخابات ولكنهم لم يسقطوا غير أقنعتهم بل كانوا أحن على الصهاينة ممن سبقهم. نحتاج سياسيين مسلمين لا نحتاج «إسلامويين» سياسيين.