مرحبا.. كيفك.. مبسوط؟ هو سؤال يطرح عند لقاء أي شخصين أو أكثر حول العالم وبكل اللغات، فالسعادة والحزن والنشاط والاطمئنان على الغير هي محور الحياة وسنتها.. ولكن ان سألت اللبناني عن أحواله وأوضاعه يجاوبك بسرعة البرق بـ «التوافق» أنا أفرح بالتوافق وأحزن وأتعب وأنهار لعدمه، اما تفاصيل الحياة الاخرى فهي ثانوية بامتياز.
واللبناني بعكس جميع شعوب العالم التي تبدأ صباحها بسماع «برجك اليوم»، يسعى دائما الى سماع نشرات الاخبار مباشرة بعد استيقاظه من «نوم الكوابيس» ليشرب سيجارته المتفحمة، وفنجان قهوته المليء بالتفل من العيار الثقيل، ليستشرف ان كان القمر يدور في سماء قريطم ومعراب وبكفيا، وان كانت الشمس تدور في فلك الضاحية الجنوبية والرابية وعين التينة وبنشعي، وان كان هناك من نيازك سياسية جديدة ستطلق من المختارة.
هو لبنان الذي عاش في تاريخه أوضاعا من القلق والصراع المماثل، انتهت أحيانا بالدماء والشهداء والدمار، وأحيانا أخرى بأقل الخسائر الممكنة، ولكن في نهاية المطاف كانت صيغة «اللاغالب واللامغلوب» هي التي تؤسس الى مرحلة استقرار سياسي وأمني حذرة.وفي السنوات الخمس الماضية كاد لبنان ينزلق مجددا الى الهاوية، لولا لطف الله وحكمة بعض قادته التي وان بانت اخفاقا سياسيا في الظاهر، انما كانت في باطنها خشية على انهيار دولة المؤسسات والقانون. فقوى الـ 14 من آذار التي تحتفل اليوم بذكراها الخامسة على انطلاقتها، تنازلت عن الكثير من حقوقها ومكتسباتها حفاظا على «لبنان العظيم» وان كان في مسيرتها بعض التجاوزات للخطوط الحمر. فرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط والذي كان له اطلالات «نووية» عام 2005 و2006 و2007، سعى جاهدا في السنتين الماضيتين الى مراجعة حساباته بجردة اقل ما يقال فيها انها غيرت الوجه السياسي للبنان حفاظا على التوافق، وتخليه عن المواقع الاولى المتقدمة لـ 14 آذار لم يكن بالامر السهل، انما الحفاظ على «الطائفة الدرزية» من الانزلاق الى صراع مع الجار الشيعي جغرافيا، واعادة خلط الاوراق من جديد ونعي مرحلة الاصطفافات الحادة التي عاشتها الساحة اللبنانية، كانت افضل الممكن في المرحلة الراهنة.
وان كان للنائب جنبلاط «مبادرات حميدة» في هذا الاطار، فلرئيس الحكومة سعد الحريري الخطوة الاكبر بهذا الاتجاه، وتجلت بمد اليد الى المعارضة «8 آذار» لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك بعد فوز واضح وصريح للحريري وحلفائه بالانتخابات النيابية، ناهيك عن الخطوة «الجبارة» التي اتخذها الحريري باتجاه دمشق رغم معارضة جمهوره، وذلك حفاظا على المصالح اللبنانية والاقليمية والعربية.
خطوتا جنبلاط والحريري قابلتهما القوات اللبنانية والكتائب بالمثل، حيث تنازل د.سمير جعجع والرئيس امين الجميل عن بعض المقاعد المسيحية في الحكومة بعد ان كادت تفجر قنبلة لولا عودة الوزير سليم الصايغ الكتائبي عن قراره بعدم حضور جلسات مجلس الوزراء الاولى والتي كان من شأنها ان تصيب الحكومة بعرج عند انطلاقتها، وهو ما يحسب للرئيس الجميل الذي تماشى مع حلفائه في التنازل حفاظا على دولة القانون والمؤسسات.
هي جردة حساب اليمة وسوداء للبعض، ولكن مما لا شك فيه انها ستكون ناصعة البياض في تاريخ التوافق اللبناني، ولابد من ان تكون ذكرى 14 اذار اليوم منطلقا لتثمين دور قادتها الذين عملوا على تثبيت الاستقرار الامني والسياسي مع شركائها في الوطن، لنسأل اللبناني بعد فترة.. مرحبا.. كيفك.. مبسوط؟ فيجاوبنا بابتسامة عريضة ورشاقة وصحة ما شاء الله.. مبسوط كتير الحمد لله، فالسماء زرقاء والشمس صفراء وبرتقالية والنيازك ابتعدت عن أرضنا.