أمينة العلي
إن الذين أضاءوا شموع حياتنا ألا يستحقون منا كلمة حب ويحتاجون منا إلى لفتة التقدير والتكريم وينتظرون منا أن نفرش الابتسامات والأمل في طريقهم؟ إلا ترون معي انه يجب علينا كأفراد ومؤسسات أن نحقق لهم ذلك؟ وذلك بتوفير مزيد من الضمانات لهم لحياة هادئة يستريحون فيها إلى أيامهم وتستريح أيامهم إليهم. ولكي نصل إلى ذلك فان من واجبنا أن نعمل وان ننظر إلى حصاد أعمالنا.
ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع أنني شاهدت عبر قناة فضائية «ريبورتاج» قصيرا مدته حوالي دقيقة واحدة يظهر فيه شاب وبجانبه ابنه الصغير الذي لا يتجاوز عمره 5 سنوات، وهما يصطحبان الجد المسن إلى دار المسنين، ويقول الأب الشاب لابنه الصغير أن جدك سيلقى هنا كل العناية والاهتمام وتكملة لهذا الريبورتاج يصبح الطفل الصغير ذو السنوات الخمس شابا، ويصطحب والده إلى نفس دار المسنين، ويودعه هناك، ويقول له «يا يوبا هنا ستلاقي الاهتمام والعناية» إلى هنا ينتهي الريبورتاج، دعاية سخيفة بل هي في منتهى السخف والاستهزاء بجيل أعطى من دون مقابل، أين هي الأسرة الواحدة التي تحتضن بالحب والتقدير كل من فيها؟
إذا كانت رعاية الطفولة تعكس نظرة المجتمع إلى المستقبل فان تكريم الشيخوخة هو شهادة تقدير من المجتمع لجيل الآباء الذين بذلوا أحلى سنوات العمر عملا وجهدا وإخلاصا وتفانيا من اجل الحياة والوطن والمجتمع والأبناء، ألا ترون معي انه مطلوب منا نحن كأمهات وآباء خلق وعي اجتماعي بين أولادنا وهم بمنزلة الأجيال الصاعدة ليدركوا أن الأجيال السابقة قد أعطت العمر والجهد من اجل استمرار حياتهم وضمان مستقبلهم وان لهم علينا واجب التكريم والمجاملة والحب والاحترام، ومن اجل إلا ينسى الأبناء فضل الآباء والأجداد عليهم؟ لماذا لا نختار يوما محددا في السنة ليكون موعدا للاحتفال بعيد المسنين؟ إنها لفتة كريمة وأصيلة ستكون من الأبناء الذين سيحتضنون بالحب والتقدير آباءهم وأجدادهم تحت مظلة الأسرة الواحدة.
في البداية لا أود أن تتحول هذه المناسبة إلى مظاهرة عاطفية كتلك التي تحدث في عيد الأم فتقتصر المناسبة على مجرد تقديم الهدايا ولكننا يجب أن نجعل من هذا اليوم وقفة لنرى من خلالها حصاد جوانب الرعاية المختلفة التي تبذلها من اجل هؤلاء الآباء والأجداد الأعزاء بحيث تكون هناك خطة مرسومة على المدى الطويل تهيئ لأجيال الكبار كل أسباب الاستقرار والطمأنينة المادية والاجتماعية والصحية والإنسانية، وان نبدأ في تنفيذها بالأهم فالمهم إلى أن نصل في النهاية إلى كفالة الشيخوخة كفالة كاملة.
وهناك بعض الأفكار البسيطة العملية لو طبقت فان مردودها النفسي سيكون مقبولا نوعا ما، وقد قمت بزيارة خاطفة لدار المسنين بهدف زيارة هذه الفئة المحببة إلى قلبي ودخلت قسمي النساء والرجال بصراحة شعرت بحزن وألم وحسرة، عندما رأيت من احتضنونا وأضاءوا شموع حياتنا تضمهم دار العجزة أو المسنين التي تشبه مستشفيات الدول الفقيرة والمعدمة ذات الغرف الكبيرة التي تحوي عددا كبيرا من الاسرّة الموجودة لمرضى كبار السن، بصراحة جو كئيب يضيق الخلق ويعجل بضياع بقية سنين العمر!
لماذا لا تبنى لهذه الفئة بيوت أشبه بالبيوت التي نقطنها ونعيش فيها، فلو أنشئ في كل منطقة أو ضاحية بيت صغير يكون بعيدا عن الضجيج فيه حديقة صغيرة وتتوافر فيه كل أسباب الراحة والمتعة والتسلية ويسكن فيه مجموعة ذات عدد محدود ليمارس فيها الكبار الذين يفتقدون حياة الأسرة نوعا من الحياة المشتركة والايجابية.
وتشجيعهم على ممارسة أعمال تتفق مع ظروفهم وإمكانياتهم وتتيح لهم الحصول على مكافأة مادية تنعكس عليهم اجتماعيا.
كما انه مطلوب خلق وعي اجتماعي بين الأجيال الصاعدة لتدرك أن الأجيال السابقة قد أعطت العمر والجهد من اجل حياتهم ومستقبلهم وان لهم علينا واجبا ودينا لابد أن نسدده.