أمينة العلي
الحياة ليست خطوات نقطعها كيفما نحب ولكنها فن يجب ان نعرف كيف نمارسه، والذي يعرف ذلك هو في الحقيقة الذي يعرف طريق السعادة والهدوء والاستقرار، ومن صميم الحياة يمكن ان نجد قصصا كثيرة بعضها يعبر عن السعادة وبعضها الآخر يروي سطورا من التعاسة ووجه الاختلاف بين هذه وتلك يتمثل في النظرة الى الحياة والتغلب على المتاعب والمشاكل، حقيقة ان في الحياة متاعب ومشاكل ولكن بعض هذه المتاعب تبدو طبيعية ومن الممكن التغلب عليها وهناك مشاكل أخرى يكون السبب فيها سوء تصرف الزوج أو الزوجة أو حرص احدهما على اثارة المشاحنات من وقت لآخر، وهذا يدعونا الى ان نعيد النظر في تصرفاتنا وفي مواقفنا منها.
الحياة تتغير ومعنى ذلك وجوب ان نغير بعض العادات عندنا والتغير يجب ان يكون دائما الى الأفضل، ومن منا لم يشعر بالتغير في المجتمع، هذا التغير الذي نفخر به لأننا نبني ونحاول ان نزيد مصدر دخلنا اننا نستمتع بمعيشة يحسدنا عليها الكثيرون في الدول الأخرى.
المستوى المعيشي بشكل عام أصبح في المستوى اللائق الطيب ولنا أمل في المستقبل في ان يفوح منه مزيد من رائحة الرخاء والرفاهية.
ورغم كل هذا الرخاء والرفاهية والتغير الذي شمل مجتمعنا، فإن هناك عادات كثيرة قديمة وبالية مازالت تتحكم فينا وترهق حياتنا وتكلفنا الكثير الى درجة اننا أحيانا لا نشعر شعورا عميقا بالتغير العظيم الذي شمل مجتمعنا، فهناك مظاهر تبدو بصورة غير طبيعية وتتحكم بتصرفاتنا ومنها تشغيل الخدم بأعداد كبيرة في المنزل الواحد فنرى في بعض البيوت أنواعا واصنافا من الخدم واكثر من سائق واكثر من طباخ ومساعد له وعددا لا بأس به من الخادمات من جنسيات مختلفة وعددا لا بأس به من مربيات الأطفال رغم ان عدد أفراد الأسرة في هذا البيت يعتبر عاديا، رب الأسرة والزوجة وعدد من الأولاد لا يتجاوز الأربعة أو الخمسة، ولو تساءلنا لماذا هذا التنوع الكبير وهذا العدد من الخدم الذين يقطنون في بيت واحد، لكانت الاجابة غير مقنعة «السواق من أجل توصيل الأولاد الى المدارس وبما ان الأولاد في مراحل دراسية مختلفة ومدارسهم في مناطق بعيدة عن الأخرى فإن رب الأسرة يضع سائقين بدلا من سائق وطباخا ومساعدا له من أجل الطبخ، ولأن الأسرة فيها أطفال لا يذهبون الى المدارس فلابد من وجود مربية لكل طفل، أما باقي الخدم فهم لتنظيف البيت وخدمة أهله.
وللمظاهر أيضا دور في تقليد الأخريات فيما يلبسن ويشترين رغم ان امكانيات البعض ربما تكون أقل وكذلك الاصرار على مجاراة الموضة وشراء الملابس الفاخرة الغالية ذات الماركات المعروفة رغم ان الموضة يمكن ان تشمل ملابس أنيقة وجميلة ورخيصة لكنها عقدة المظاهر الكاذبة التي تجعلنا نحرص على ان نذكر رقما مرتفعا ثمنا لشراء فستان أو سيارة ذات ماركة معينة لأنه لا يجوز لمن تتمسك بالمظاهر ان تركب سيارة عادية متواضعة.
وهناك أيضا «العزائم» وحفلات الزواج والتي نتفنن في تكاليفها حتى تلتلهم الحفلة الواحدة ميزانية كبيرة مع انه ينبغي فيها ان تكون مناسبة عادية يلتقي فيها الأهل والأصدقاء في جلسة سعيدة وبروح مرحة واستقبال جميل، وألا نبالغ في تكاليف الأعراس، فهذه المظاهر الكاذبة الموروثة من المجتمع القديم يجب ان تنتهي وتتغير، لأننا نعيش في مجتمع العاملين مجتمع الكفاية والعدل المجتمع الذي يقدس العمل ويحترم الانسان، هذا المجتمع يتطلب منا مواجهة الحياة بالشكل الذي يضمن لنا الاستقرار والسعادة.
لقد أعطانا المجتمع حق العمل والكسب واعطانا الله سبحانه وتعالى العقل للتفكير والمطلوب الآن ان نستخدم العقل لتدبير أمور الحياة وتغيير العادات السيئة الى عادات أفضل نستفيد منها ونفيد الآخرين بها.
إضاءة
لا أعتقد ان للسعادة وصفة معينة نستطيع ان نهديها بعضنا مثل وصفات الدواء أو الطعام وانما اعتقد ان أكثر شيء يجعل الانسان راضيا عن حياته ونفسه هو ان يعيش واقعه، فما أكثر الذين يتصورون أنفسهم أناسا آخرين وبذلك يعذبون أنفسهم وغيرهم، وليس معنى هذا انه ينبغي علينا ان نكره الطموح وألا نبذل جهدنا لننتقل من حال الى حال أفضل بل على العكس فإن هذا من واجبات الانسان نحو نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يجب ان يدرك حدود امكانياته والظروف المحيطة به فإذا صحب نظرته الواقعية الى نفسه نظرة مثلها الى الآخرين وكان باستمرار حسن النية وبعيدا عن الانجراف بأنواعه، فلا شك انه سيكون من أسعد الناس.