أمينة العلي
فتحت الايميل الخاص بي منذ ايام وقرأت رسالة وصلتني من فتاة تبلغ من العمر الثامنة عشرة فتحت لي قلبها بمنتهى الصراحة وطلبت مني بل رجتني واستحلفتني ان أمدها بالحل المفيد لمشكلتها مع أهلها وهو طلب قد يبدو يسيرا في ظاهره ولكن الحقيقة انني عجزت عن تلبيته، ولم أجد أمامي سوى ان اعرضه عليكم لعلي اجد منكم المعونة.
والقصة كما سردتها هي: انها فتاة عادية الشكل ولكنها على قدر من الثقافة، بدأ شقاؤها ببداية حياتها عندما كانت طفلة صغيرة فتحت عينيها وهي ترى الخلافات الشديدة بين والديها دون ان تدرك لذلك سببا.
وحيث ان والدها يعمل في مركز حساس فقد اضطر للسفر الى الخارج واصطحب معه افراد اسرته وظل بحكم وظيفته يتنقل من بلد اجنبي الى آخر فمرة يتكلمون الانجليزية وأخرى الفرنسية او الهولندية او التشيكية او الافريقية مما أخر ثقافتها العربية فعجزت عند العودة الى بلدها عن الاندماج في المجتمع والنجاح بسهولة في دراستها وحياتها.. وبدأت منذ ذلك الوقت عملية اضطهادها في منزلها مع والديها بضربها بسبب او بدون سبب وحرمانها من ايسر حقوقها وانزال كل انواع العقاب بها .
وطبيعي بعد هذه المعاملة القاسية ان تنحرف الفتاة وجاء انحرافها بالسرقة التي وجدت نفسها منساقة اليها بقوة اكبر من ارادتها فوجدت نفسها تمد يدها الى اشياء تافهة لا تحتاج اليها ولا تفهم لماذا تأخذها ثم تنكشف فعلتها فتفضح علنا ويتضاعف نصيبها من العقوبات والاهانات القاتلة للكرامة.
وفجأة سافر والدها وحده الى الخارج وتركها مع الام التي انقلبت وحشا كاسرا تفرغ شحنات غضبها على هذه المسكينة وعاد والدها بعد مدة بصحبته زوجته الاجنبية الجديدة وادعى عند طلاقه لأمها انه لم يفعل كل ذلك الا عقابا للام على سوء تربيتها لابنتها لانه - كما يقول دائما - ترك تربية ابنته للأم لانه مشغول دائما بسبب وظيفته، واصبحت الفتاة في نظر الجميع هي الجانية على سعادة امها واستقرار اسرتها، فكبرت لديها عقدة الذنب وامعنت في ارتكاب الاخطاء وتعودت الكذب لكي تنجّي به نفسها من التهم التي توجه اليها، وازدادت نقمة الام على ابنتها لتصورها انها كانت السبب في خراب بيتها وتطليقها، فتوحشت في معاملتها اكثر واصبحت لا يشغل بالها او فكرها الا التفنن في ابتكار عقوبات لهذه الفتاة ولم تجد الفتاة امامها سوى الهروب من البيت وسكنت في مكان ما مع... ولكنهم عثروا عليها واعادوها الى البيت حيث الشقاء.
وتقول الفتاة في نهاية رسالتها انها تسيطر على ذهنها فكرة الانتقام ممن حطموا آدميتها ولا يعنيها ان تحطمت هي في سبيل تحقيق هذا الغرض فكل ما تريده في هذه الدنيا ان تعيش في هدوء، ولو ادنى مستويات المعيشة او تموت ولو ابشع ميتة في سبيل تحقيق راحتها النفسية.
تقول الفتاة انها من اسرة عريقة ومعروفة وانها ستترك بيت والدها هربا او موتا لانها لا تستطيع ان تتحمل الحياة مع ام تتعامل معها باسلوب الجلاد واب اناني لا تهمه الا متعته في هذه الدنيا.
ألستم معي في ان حل مشكلة هذه المخلوقة البائسة الضائعة بين وحشية أمها وحماقة وأنانية ابيها يكاد يكون مستحيلا؟ إذن ما هو الحل؟
إضاءة
لاتزال مطابع العالم بمختلف اللغات تصدر ترجمات جديدة وطبعات جديدة لمئات وآلاف من كتب المؤلفين الفرنسيين القدامى والمحدثين ابتداء من روسو وڤولتير وراسين حتى جان بول سارتر واندريه مالرو، ولكن آخر احصائية تقول ان اكثر الكتب الفرنسية ترجمة الى اللغات الاخرى هي مؤلفات الكاتبة فرانسواز ساغان والتي بدأت تكتب وهي طفلة.
وبمناسبة الكتابة في الطفولة هناك سيدة كاتبة انجليزية توفاها الله في سن التسعين اسمها ديزي اشفررد كتبت عنها الصحف الانجليزية اعمدة طوالا روت فيها قصة نبوغها وهي طفلة فقد كتبت وهي في التاسعة من عمرها قصة اسمها (الزوار الصغار) بيع منها نحو مليون نسخة ولايزال المزيد منها يباع حتى الآن وقد روت الصحف قصة الكاتبة ديزي اشفررد عند صدورها اول مرة فقالت انها القصة التي اضحكت نصف سكان لندن اما نصفهم الآخر فإنهم في انتظار الطبعة الثانية ليقرأوا ويضحكوا ولم تزل القصة تدر على مؤلفتها دخلا وفيرا من حقوق التأليف منذ يومئذ حتى وفاتها وستظل تدر على اسرتها هذه الحقوق فيما بعد وفاتها بخمسة وعشرين عاما.