أمينة العلي
هذا عصر الاغتراب، الأب الطائر مشكلة كثير من الأسر التي يتغرب عائلها، فبوابات الرحيل تنفتح كل لحظة لتغيب مئات الآلاف من طلاب الرزق، الأب الطائر من الشرق الى الغرب او من الغرب الى الشرق مجرد حكاية من حكايات الشوق تظل ترددها الام على مسمع من ابنائها حتى لا ينسوا ان لهم ابا في مكان ما في العالم الواسع، والذين ينتظرون عودته، وايضا هناك بعض المهن تتطلب من الزوج العمل لفترات طويلة صباحا او مساء ويتصادف ايضا ان تكون الزوجة عاملة وهنا يضيع الاولاد وتنعدم عندهم غريزة الشوق واللهفة لأبويهم، وجود الأب بين اولاده مهم جدا خاصة بالنسبة للزوجة العاملة، ولا بد ان تكون هناك حدود لوجوده خارج البيت، فلابد ان الاولاد سيحتاجون اباهم في كثير من الامور.
هناك بعض الازواج ينشغلون عن بيوتهم طوال اليوم كنوع من الهروب نظرا لكثرة المشاكل المعقدة في البيت او المطالب المادية التي لا يقدر عليها.
وكثير من الآباء الذين تضطرهم ظروف الحياة للغربة من اجل العمل اصبحوا يزورون اسرهم مرة او مرتين فقط بالسنة، لكن لا تلبث ان تنتهي بسفرة جديدة فهل اولاد هؤلاء يعرفون اباهم حق المعرفة، وهل هذه الزيارات الخاطفة تكفي لتقريب الآباء مع ابنائهم؟ خصوصا اذا كان الاولاد في سن صغيرة ويحتاجون الى رعاية وحنان الاب؟ معظم هؤلاء الاطفال لا يعرفون آباءهم الا من خلال صورة الاب حامل الهدايا اللطيف الذي لا ينهر احدا او يعاقبه اذا فعل خطأ ما، ولكن عندما تمر السنون ويعود الأب للاستقرار في بيته مع زوجته وابنائه تتضح لهم الصورة الحقيقية للأب والتي لم يعتادوا عليها، ولم يتعرفوا حتى احواله وطباعه وما الذي يرضيه او يغضبه.
وينقلب الحال الى المحال وتصبح الحياة اليومية يشوبها شيء من الترقب والاستغراب فالأولاد لم يعتادوا على وجود الأب الدائم وفي الوقت نفسه فإن الأب لم يعرف طباع أبنائه جيدا، لذا فقد يحدث شرخ لا يمكن ترميمه فالأب يحاول ان يربي أولاده من جديد وفقا لطريقته، ومن خلال هذا المنطق تحدث الخلافات بين الأب المغترب (الأب الطائر) وأبنائه.
أنا لا ألوم الأب بسبب أنه تغرب واشتغل وعمل لأن أسرته كانت تحتاج إلى تحسين المستوى المادي، وتحمله للسفر والغربة لكي يوفر لأسرته حياة كريمة، لكن ما هي النتيجة؟ الزوجة اعتادت تحمل المسؤولية بمفردها، وكلمتها مسموعة عند أولادها أما دور الأب في الأسرة فيصبح للأسف ضعيفا وينحصر في توفير النواحي المادية فقط وتتقلص مهمته في كسب النقود والإنفاق على الأسرة، ويبقى على الأم القيام بالباقي وهنا أقول للأزواج والذين يغتربون من اجل العمل ويتركون زوجاتهم وأولادهم ان أهمية وجود الزوج ضمن محيط اسرته متساوية مع أهمية وجود الأم لأن لكل منهما دورا في الحياة، ولانشغال الزوج عن بيته اثاره السيئة على الزوجة والأولاد، فالزوجة تنتظر من زوجها ان تجد لديه الحب والحنان فانشغاله عنها يفقدها الشريك والأمان النفسي، ما يؤثر على نفسيتها وبالتالي على الحياة الأسرية كلها، أما تأثير انشغال الأب عن الابناء فخطير جدا، لأن الأب يمثل لأبنائه القدوة والمثل الأعلى، وغيابه يؤثر في شخصياتهم سلبيا خاصة لافتقادهم التوجيه والرعاية الأبوية التي تضع الشخصية السوية للأبناء وطبعا هذا بالاشتراك مع الأم.
وهنا ينتج التصدع في الأسرة وتبدأ الانحرافات، لأن الأب يحاول أن يعوض غيابه عن الأبناء بالأحوال والهدايا الكثيرة التي ينفقها عليهم فيؤدي ذلك إلى انحرافهم نظرا لكثرة المال وانتقاد التوجيه الصحيح.
اغتراب الأب يعني فتور العاطفة بين الابناء والوالد، فالبعد المكاني واعتماد الأبناء على أنفسهم مهما كانت اعمارهم يخلقان في داخلهم نوعا من الاستقلالية المبكرة والتي ربما تقودهم الى خلل تربوي حيث يتزايد لديهم الإحساس بالحرمان والضياع العاطفي خاصة في مرحلة من قبل المراهقة.