أمينة العلي
الخيال نعمة أنعم الله بها على الانسان، فالكائنات الأخرى لا تتخيل لذلك لا تفرح ولا تحزن، أما نحن فنتخيل فنعيش بدل الحياة الواحدة حياتين حياة في الواقع وأخرى في الخيال. الحياة في الخيال تؤدي وظيفة بالغة الأهمية فهي تعد صمام الأمان الذي يبدل عبوس وحزن وهموم الواقع الى فرحة وابتسامة وهي ايضا محرك الحماس ومولد الطاقات، فإذا صدقنا الخيال واعتقدنا انه سيصبح حقيقة تجدد نشاطنا وعلت همتنا.
الحياة الحلوة خيال، الحب خيال، الصدق في أيامنا هذه خيال.. ولكن للواقع علينا حقوقا كما للخيال ولا يجوز ان يجور الواحد على حقوق الآخرين، والا اختلط العقلاء بالمجانين وعمت الفوضى وكثرت الاضطرابات النفسية، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي تجعل كلا منا حريصا على خيالاته لا يفصح عنها لأحد، يغار عليها، ويتخيلها ويخبئها كما يخبئ البخيل ماله، الخيال في نظري أجمل بكثير مما أراه في الواقع المؤلم الذي نحيا فيه، وما أتمناه في الخيال أبعد عني من نجوم السماء.. البعض يتمنى أن يصبح من اصحاب الملايين والبعض يتخيل ويتمنى ان يصبح نجما مشهورا، الصغير يحلم بلعبة لا يمتلكها أحد غيره، والكبير يحلم بلعبة تمكنه من ان يلعب بها بلا خوف أو سخرية من أحد، أما أنا فخيالي يجمع كل هذا وذاك ورغم ما للخيال من متعة ذهنية، الا انني تعبت من التفكير لأني لم اعثر على جواب على سؤال شدني وظللت ابحث في خيالي عن هذا الجواب، والسؤال الذي سألته لنفسي، ومن خلال خيالي: لو قدر لي ان أبقى وحدي في جزيرة منعزلة ماذا أنا فاعلة وهل سيفيدني خيال وهل سأتخيل كما أحب ان أتخيل ما هي احتياجاتي التي لا حياة ولا خيال بدونها؟
كانت ردة فعلي الأمل هي الصياح والاحتجاج لأني لا أحب ان اكون وحيدة في أي مكان لا في جزيرة منعزلة ولا حتى في جزر هاواي لأنني اؤمن بمقولة ان «الأرض اللي ما فيها ناس ما تنداس».
قلت لنفسي لماذا لا أتخيل نفسي انني امام أمر واقع؟ فالسؤال افتراضي لا اكثر فماذا ستكون احتياجاتي إذن؟ قلت لنفسي انني أريد مأوى وأريد طعاما ووسيلة دفاع عن نفسي وأريد مذياعا يبث موسيقى وأغاني فقط، ولا اريد ان اسمع أي أخبار، فقد مللت من كثرة ما اسمع كل لحظة وكل ساعة، إرهاب، سيطرة، خلافات، حروب، زلازل، سقوط البورصة، بصراحة شبعت ووصلت الى مرحلة «الطفحان».
اريد ايضا شمعة للاضاءة اثناء الليل لأنني أخاف الظلام ولا أحب الا ان أحيا في النور.
واحتاج الى بعض الثياب.. في لحظتها رأيت نفسي برجوازية أريد فندقا متنقلا وقلت لنفسي: «فكري بجدية»، وبعدما عشت مع خيالي وجدت ان الحل الرومانسي هو الافضل اذا قدر لي ان أبقى في جزيرة منعزلة فلن اهتم بشيء الا اذا كان يصحبني الشخص الذي أحبه، ولا يهمني أي شيء آخر.. طبعا هذه تخيلات في تخيلات، وكنت اعرف ان هذا الحل تتجنبه الحقيقية.. شغلت نفسي بقراءة الصحف اليومية ورأيت الاخبار غير السارة تحتل مساحة كبيرة من تفكيري وأخذت افكر كيف نتغلب على ما وصلنا إليه من خلافات، لا حل لها إلا بحل مجلس الأمة، وأخذت أتخيل انه لو صدر قانون نصه انه لا يجوز حل مجلس الأمة أبدا، وبهذا الخيال عثرت على بغيتي، توقفت كثيرا عند حكمة تقول «الرجل الذي يخطئ ولا يصلح خطأه يرتكب خطأ جديدا» لذلك دار في خيالي.. أنت في مجتمع لا يخطئ لأنه يضم أناسا يعلمون ان الاخلاق هي المبدأ الرئيسي الذي يجب ان يكون أساسا لأي نظام اجتماعي وسياسي مستقر.. وبعد ان سرحت مع خيالي: عثرت على إجابة للسؤال المعلق في ذهني وهو لو قدر لي أن أبقى وحدي في جزيرة منعزلة فلا يمكنني الاستغناء عن قنوات تلفزيونية متنوعة تبث الاخبار الصحيحة، وليست المفبركة قنوات تحترم عقلية الانسان، وأيضا لا يمكن الاستغناء عن الكتاب لأن الكلمة هي بداية الانسان وبالكلمة يتميز الانسان عن باقي الكائنات، وبالكلمة سوف اتواصل وافكر وهي مفتاح لذاكرتي ولخيالي وأتمنى ان احمل معي نسخة من كتاب الله (عز وجل) ومجموعة من كتبي المفضلة وورقا وقلما، الكتاب هو رفيقي المخلص الذي لا يطعنني من الخلف يعطيني ولا يطلب مني، يؤنس وحدتي ويطلق خيالي الى البعيد.