أمينة العلي
العمل السياسي في مشرقنا العربي أشبه بالتراجيديا أو المأساة، لكن الصراع في هذا العمل ليس قائما بين الانسان والقدر أو بين الانسان والآلهة كما هو الشأن في التراجيديا اليونانية، ولكنه أولا وقبل كل شيء صراع بين الانسان والانسان وكذلك بين الانسان ونفسه او بعبارة اخرى بين الانسان وقوى الظلم والاضطهاد، سواء كانت من الخارج او الداخل ثم بين الانسان وما يمتلئ به رأسه من افكار وما يختبئ في أعماقه من رغبات وغرائز، هناك مقولة قرأتها وأعجبتني تقول انه عندما يخطئ رامي السهام هدفه ينظر لنفسه ليعرف لماذا أخطأ، وهكذا دائما اذا أردنا الوصول الى هدفنا فلابد ان نصلح من أنفسنا قبل أن نطلب من الآخرين ان يصلحوا من ذاتهم. الأمة التي ترفض الاصلاح وترفض التجديد ولا تمارس حقها فيه تلغي ذاتها وتضعف من امكاناتها الفكرية وترضى لنفسها ان تكون عالة على اجيال سابقة واجيال لاحقة، كلمة التجديد تعني تكوين ظروف الاستمرارية، وتجديد الفكر يعني استمرارية الايمان بصلاحية ذلك الفكر والتجديد والاصلاح هما أداة للتواصل وهما وسيلة للاستمرار، لأن العقل البشري من حقه ان يباشر مسؤولياته في فهم الظواهر الانسانية وأن يفسرها بما يراه ويعتقده.
قرأت فقرة في كتاب عن جورج بومبيك رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، قول ظريف قيل على لسانه مفاده ان هناك ثلاثة طرق اذا سلكها السياسي أدت الى دماره، الأول مطاردته للنساء والثاني لعب القمار والثالث الاعتماد على الخبراء السياسيين وهو أكثر وأخطر الطرق تأثيرا على سقوط السياسي.
ظهرت ابتسامة على شفتي وأنا أقرأ هذا القول لأن الحقيقة ان الخبراء ما أكثرهم في هذا البلد، الكل خبير يتكلم ويفتي ويستمع الى نفسه ويصدق ما يقوله.
لكن في بلدان أخرى متقدمة الخبراء أصبحوا جزءا من هذه الحياة الحديثة فالبحث عن الخبرة موجود ووجود اشخاص خبراء يطلبون الاستمرارية للبحث عن كل ما هو جديد ويوجد آخرون يقدمون تجاربهم وطريقة عملهم. كل ذلك موجود، انني اشبه رجل السياسة عندنا بالرجل الخبير الذي يعرف كل شيء وفي أي شيء، وهنا أسأل هل السياسيون ونواب مجلس الأمة والخبراء والذين يطالبون باستمرارية البحث عن التخلف والوقوف أمام تحقيق رغبات الذين أوصولهم الى المجلس هل هم نعمة أم نقمة في دولنا العربية ودول العالم الثالث؟ خصوصا ان هذه المجموعة تحتل الأخضر واليابس ولها سمعة وصدى قوي بين مؤيديهم، لكنني لا أنكر ان هناك مجموعة من السادة النواب السياسيين عندنا اعمالهم وخبراتهم مرتبطة بالموقف السياسي وعلاقة المسيطر بالمسيطر عليه.
الكويت في الوقت الحاضر أحوج ما تكون الى رجال خبراء في مجال السياسة قادرين على تحمل المسؤولية بشكل كامل ومباشر.
أتمنى من الله سبحانه وتعالى ونحن وسط الأجواء «المتكهربة» هذه ان افتح عيني بعد قليل وأرى ان وضعنا اصبح افضل وان الامور قد انحلت وزال الخلاف وان يبقى الود وان تظل بلادنا واحة أمن وأمان وان نظل اسرة واحدة متماسكة لأننا سنواجه تحديات في المرحلة الجديدة المستقبلية، تحديات سياسية على مستوى العالم كله.
ان التاريخ لن يرحمنا اذا تعمدنا الخطأ او الاساءة وتغافلنا عن الإصلاح ولن يرحمنا ابناؤنا لو اخطأنا في حقهم لأن الحاضر والمستقبل ملك لهم.