أمينة العلي
لماذا تتصدع العلاقات الزوجية ويزحف عليها الفتور والنفور، ثم الحقد والكراهية، لماذا تنهار هذه الروابط وتحل الجفوة.. ويتساءلون: ماذا حدث؟ ولماذا انقلبت المحبة الى نفور.. هل هو سوء الاختيار منذ البداية؟ أم هي ظاهرة التقلب في النفس البشرية؟
الأسباب بطبيعة الحال متعددة ولكنها مهما كانت قوية وحقيقية فإنه مما لا شك فيه ان التفاهم هو الطريق الوحيد الى التخفيف من حدتها.
تقول صديقتي انها اكتشفت تباعد زوجها عنها وعزوفه عن التحدث معها ومناقشتها، وتعجبت لذلك كل العجب! هي واثقة من حب زوجها لها وحبها له فقد تزوجا عن حب وكانت آمالها واسعة في استمرار حياة زوجية سعيدة، ولأنها تحمل لزوجها حبا قويا ولأنها كانت حريصة على عودة الوفاق بينهما فقد أخذت تراجع نفسها وتحلل مواقفها إزاء زوجها وخلال هذه المراجعة تبين لها انها كانت دائما تنطق بما تمليه عليها انفعالاتها، فإذا كانت وزوجها يناقشان أمرا من أمور حياتهما وعارضها في شيء أو تصورت انه يحاول انتقادها فإنها سرعان ما كانت تتصدى للأمر عند أول كلمة ثائرة تخطر في بالها.
تصرخ مثلا في وجه زوجها قائلة أنت ظالم، أنت مسيطر، أنت غير حريص على مشاعري. وكل قطيعة بينهما تأخذ فترة من الوقت لا تكلمه ولا يكلمها الى ان تصفو أنفسهما بمرور الوقت والأيام ثم يتكرر الأمر، وتختفي المشكلة الأصلية وراء مشكلات فرعية، وتتراكم هذه وتلك حتى تحدث الجفوة، وتعترف صديقتي بأنها كانت تعرف هذه الطبيعة المندفعة في نفسها منذ فترة الزواج، والداها وأخواتها وصديقاتها، الكل كان يصارحها بها ويحذرها منها، ولكنها اعتمدت دائما على تسامح الآخرين معها، وتغاضيهم عن كلماتها الطائشة، وعلى الرغم من عصبيتها لكنها تظل طيبة القلب وصافية النفس.
إنها لا تقصد الإساءة للآخرين، ولكن الاعتماد على حسن تقدير الآخرين بصفة دائمة لا يجوز التعلل به وراء الانفعالات الهوجاء، هذا ما توصلت إليه صديقتي بعد تفكير طويل وبعد تجربة مريرة أوشكت ان تقتلع حياتها الزوجية، فبدأت تدرب نفسها على التماسك والسيطرة وأخذت تبذل قصارى جهدها حتى لا يسبق لسانها تفكيرها، حتى نجحت في استمالة عواطف زوجها من جديد قبل فوات الأوان.
بعض الناس سريعو الانفعال تخرج الكلمات من بين شفاههم كالسهام، فلا تصيب الآخرين فقط، بل انها غالبا ما ترتد إليهم طعنات قاسية، فمن يتهور بالكلام يكون معرضا من الغير للرد بنفس الاندفاع والتهور، لأننا لا يمكن ان نفرض على الناس جميعا ضرورة مراعاة ظروفنا وطبائعنا فإذا كان البعض يتحمل ويمتعض ويقدر فإن الباقين لا يمكن ان يسكتوا عن الإهانة حتى لو لم تكن مقصودة ومتعمدة.
والناس تحكم على الشخص بمعاملته الظاهرة، ولذلك فإنه مهما كان هذا الشخص، في حقيقته طيبا وصافيا ولكنه متهور في حديثه، فإنه يفقد حب الناس ومودتهم، ويصبح بمرور الوقت شخصية منبوذة ومكروهة، وهو طبعا الخاسر في هذه الحالة لأن الحياة دون الناس لا طعم لها، ولأن الوحدة هي أقسى عقاب يمكن ان يحكم به القدر على شخص ما، وتبقى حقيقة قائمة هي أننا في أشد الحاجة الى التفاهم لحل مشاكلنا، سواء كانت ضمن نطاق الأسرة أو ضمن نطاق المجتمع أو نطاق الدولة، لكي نعيش في وئام مع أنفسنا ومع أفراد مجتمعنا، ولكننا بالكلمات الطائشة والانفعال السريع وغياب التفاهم نجلب المعاناة لأنفسنا وللآخرين الذين ارتبطت حياتنا بهم، وهذا ما يجب مقاومته، من أجل الفوز بالسعادة والاستقرار ومن أجل ابتسامة أكثر إشراقا، لأن غاية ما نتطلع إليه هو ان نحب في هدوء وسعادة.