أمينة العلي
من يضعف سلطان الدولة ونفوذها؟ ومن يثير المتاعب للحكومات؟ ومن هو الذي يتمكن من خرق نظام السلطة والتغلغل الى داخل جهازها؟ من هم الذين يثيرون الشغب أو يضللون الرأي العام؟ ومن هم لصوص الرأي العام؟
ما نراه بعين الخيال أجمل بكثير مما نراه في الواقع كل شعب له هموم ومشاكل مختلفة والإعلام ككل سواء المقروء منه أو المسموع لا يطرح الأزمات إلا لإشعالها أو للتسلية والتشفي والشماتة.. يخدع نفسه من يتصور ان كل الناس مذعورون في الشوارع والبيوت خوفا من السلطة.. الناس لهم هموم مختلفة وقضايا ضاعت في زحمة الاحتقان وفوران الغضب.. هل أصبحت كل مشاكل الناس في مصر كما صورها فيلم «هي فوضى» هي العبث بالقضايا الخطيرة والحساسة التي أصبحت الموضوع المفضل لدى صناع السينما وهذا ليس بهدف علاجها ولكن لان صناع السينما وجدوا ضالتهم الكبرى في هذه القضايا، سواء اختلفنا أو اتفقنا فإننا في زمن تسود فيه فوضى في السلوك وفوضى في الأوضاع فوضى في تطبيق القانون لو بقيت هذه الفوضى كما هي فلن نحصد إلا الإحباط والتخلف.
الوضع الصعب في مصر والمشاكل وتفاعل الناس مع المشاكل كما أظهرها المخرج من خلال الفيلم هي حالة فوضى تفرض نفسها على أجندة المجتمع لأن أصحاب المصالح الأساسية فيها ليسوا من الرفعة بحيث انهم لا يشغلون الناس بما يخصهم وحدهم بل انهم يوظفون القوة والظلم والفساد والرشوة كوسائل ضغط من أجل تحقيق الهدف الذي يسهم في نجاح عوامل تفاعل الأزمة لأن عددا من القوى السياسية وجدت في هذا الملف فرصة لكي تفتح ملعبا جديدا للصراع السياسي.
(هي فوضى) فيلم شاهدته واستمتعت بوقت جميل، فيلم من اخراج يوسف شاهين وخالد يوسف وحكاية الفيلم، وهي الحقيقة، ان قصة عذاب وحيرة المصريين فاقت كل حد وكل وصف في داخل وطنهم وخارجه وأصبح المصري «ملطشة للي يسوي واللي ما يسواش» أمر طبيعي جدا وعادي خالص ولا أحد يستطيع ان يعترض أو يتذمر وهذه هي سمة العصر الذي تعيش فيه مصر في الوقت «الشعب طافح فيه الكوتة وشارب فيه المر ورابط الحزام على بطنه» والشباب يشكون من البطالة و«مش لاقيين شغل» ما دفع البعض منهم الى البلطجة لأن البطالة أصبحت ماردا مخيفا.
المخرج العالمي يوسف شاهين بالاشتراك مع المخرج خالد يوسف يظهران من خلال فيلم (هي فوضى) ان الشعب المصري فعلا شعب مغلوب على أمره شعب يعلم جيدا انه مجرد اختراع جميل اسمه الشعب باسمه يتم التصرف في كل شيء وأي شيء وصار يستسلم في صمت وينصاع لكل ما يملى عليه من تعليمات أو أوامر، وقد صور الفيلم في حي شبرا وهو حي عريق من أقدم أحياء القاهرة ولكن مع مرور الزمن تغير الحي وتبدلت ملامحه واصبح العرف بين الناس نابعا من القوة والبلطجة وليس نابعا من أي إنسانية، يسأل المخرج من خلال الفيلم: من المسؤول عن هذا التحول الذي أجهض البسمة في النفوس؟ إنه حاتم الذي قام الفيلم على كتفيه ويمثل دوره الفنان خالد صالح، الذي يمثل رمز السلطة رغم انه يعمل بوظيفة (أمين شرطة) وسلطته نابعة ومستمدة ممن هم أكبر منه بالرتب العسكرية هم يأمرون ويحكمون وينهون ولكن من خلف مكاتبهم.. حاتم أصبح يمثل القانون واصبح القانون هو حاتم الذي يطبقه بصورة غير صحيحة وغير سليمة، الجميع أصبح في حاجة ماسة لحاتم لأنه يملك السلطة في يده.
خالد يوسف مخرج بخلطة سرية جريء واضح طموح قوي، وخالد صالح نجم لمع في كل أدواره التلفزيونية والسينمائية، أرادا ان يدقا جرس الإنذار ليقولا للناس ان الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر صعب ويجب ان نبحث عن العلاج.