أمينة العلي
المعاناة تخلق الابداع والمأساة تصنع انسانا قويا، ولقد لمست فحوى هذه المقولة في تجمع فتيات طالبات وفتيان طلبة ورجال ونساء على مستوى عال من الفكر والثقافة والتعليم بجمعية الخريجين وانا ضمنهم وبينهم استمع الى معاناتهم وارى بعيني تصارع وتقاتل من اجل اثبات حقهن في مجتمع صامت واعمى لا يتكلم ولا يرى، القمع المفروض على النساء والفتيات من الخارج حتى تأتي الى الجامعة او الى مكان عملها كي تنجز علميا او عمليا حتى تحصل على شهادتها او على راتبها نهاية كل شهر، كل منهن تخطو بقدميها على كل الصخور المدببة والمسننة التي تعترض طريقها.
وبما انني اعمل كمسؤولة عن مجموعة من الموظفات في مكان ما اسمع يوميا معاناتهن كي يبررن تقصيرهن، احداهن تأتي متأخرة دائما بعد بدء الدوام الرسمي بنصف ساعة او اكثر اسمع طرقات عكازيها على البلاط الخارجي فأنصت وينصت قلبي وتدخل لتلتفت اليها الموظفات والموظفون فتدس رأسها في صمت وتتجه الى مكتبها، موظفتي العزيزة معاقة اثر حادث سيارة كان المتسبب فيه زوجها الذي كان يرافقها بالسيارة ولكنه استعاد عافيته بعد فترة ليست بالطويلة وهي خرجت من هذه الحادثة معاقة الرجلين، تعاني القلق والوحدة وتعاني مع كل خطوة تخطوها بمساعدة عكازيها، ارى الألم على وجهها وهي ترمي بثقلها على ارض تشاركها الانين والألم والحزن.
عجزها الجسدي لم يمنعها من تقديم واجبها تجاه عملها وبيتها واولادها رغم تأخرها عن دوامها ومشاكل المصعد وسخرية البعض رغم المها وخجلها، هي تأتي كل مرة وتلتفت الي لتلقي تحية الصباح وهي مبتسمة، اقول من قلبي «براڤو» عليك ،الله يحميك ويساعدك، استمري، عندما اراها في الصباح اشعر ان شمعة روحي قد اضاءت، انها احدى النساء اللاتي جئن ليبقين رغم انف عجزهن.
هذه حالة، اما الحالة الاخرى عندي فهي عجز من نوع آخر وهو عجز نفسي او معنوي، موظفاتي العزيزات يتحكم فيهن رجل هو اب او اخ او زوج قوام عليهن ووسيلة قوامته هي السب اوالضرب، في مجتمعنا يثبت الرجل انه رجل هكذا، ليثبت رجولته في مجتمع مريض اكثر منه، موظفة لا تأتي لدوامها وليس لديها رصيد اجازات، تقول ان سيارتها متعطلة وان زوجها ذهب الى عمله من دون ان ينتظرها، وتقسم وهي متأثرة لحالها انها اخبرته من الليلة الماضية لتذكره انها ستكون برفقته ليوصلها الى عملها، لكنه يذهب من دونها واخرى تأتي بعين متورمة، وتحكي لي كيف يساومها زوجها بين الحياة الزوجية والوظيفة التي تعمل بها ويكون قاسيا معها في سلوكه العاطفي الزوجي ليسبب لها الألم وان استمرت بالعمل حملها كل مسؤوليات البيت والاولاد والمصروف، او بكل بساطة ضربها، لم لا يعمل ذلك وليس هناك من يعاقبه حتى ضميره الميت، وهناك اخرى تأتي متأخرة لان عليها ان توصل اولادها الى مدارسهم المختلفة، او انها ذهبت بابنها او بنتها الى الطبيب، وهلم جرا «اما الزوج فهو في خبر كان».
واذا وصلنا الى الموظفة الحامل، فشكلها يسبب لي الارتباك، والقلق وخصوصا لو كانت في بالشهور الاخيرة، المهم موظفاتي في النهاية يأتين لعملهن بالرغم من الضرب والقسوة والألم والهزائم الكثيرة، انا اشعر بانني قوية بهن ولهن وقد ازودهن بنصيحة او اتغاضى عن تأخرهن لكنهن في النهاية يزودنني بقوة وامل فأصبح صلبة وعالية وشامخة بهن.