أمينة العلي
كثيرا ما تكون الحياة ميدانا للتجربة ومجالا للخبرة، وهناك كثير من المفاهيم لا يتعلمها الانسان الا في محراب الحياة، وهناك كثير من التجارب تكون حصيلتها من الدراية، وهذه التجارب تعكس شيئا مما تعلمناه في هذه الحياة، لعل هذه التجارب التي نمر بها هذه الأيام تضيف لرصيدنا شيئا ينفعنا في واقعنا ومستقبلنا، لأن الحياة مدرسة وكثير منا تتلمذ فيها وتخرج فيها.
تعلمنا في المدرسة ان نتعلم الدروس أولا ثم نقدم الامتحان، اما في الحياة فإننا نواجه الامتحان ثم نتعلم منه الدروس، وخير دليل مواجهتنا للفساد بجميع أشكاله، ووقوفنا صفا واحدا ومطالبتنا بتشكيل حكومة قوية من الأكفاء تحترم القيم والقانون والدستور لأن أحد أهم انتشار الفساد هو غياب القيم وعدم الاحتكام الى القانون والدستور.
أوردت الأخبار ان رؤساء بلديات العديد من المدن الفرنسية قرروا منع التسول في مدنهم، وذلك بعد ان تزايدت شكاوى الناس من إلحاح المتسولين الذي يصل أحيانا الى حد الوقاحة في الطلب والتهديد.
القرار خطوة حضارية ولا غبار عليه رغم ان التوقعات تشير الى انه سيثير غضب جمعيات الدفاع عن الفقراء والمتشردين، ولكن انظر الى هذا الموضوع من زوايا مختلفة تماما لأنني أحلم بيوم ولا أدري ان كان سيأتي أم لا، تصدر فيه شعوبنا العربية قرارا حازما بمنع التسول السياسي لأن التسول في الشارع حالة فردية وفي الغالب حاجة فعلية، اما التسول السياسي فهو قمة الفساد لأن ثمنه غال جدا، تدفع ثمنه شعوب وأجيال المستقبل، وعلى سبيل المثال، وهذا غالبا يحدث عندنا، مرشح يستجدي ناخبيه أملا في الحصول على صوت أو صوتين معتبرا الكرسي فوق المبادئ والكرامات.
مسؤولو دول يعتمدون على المساعدات والهبات ويستجدونها من هنا وهناك، وذلك ليس لتنمية اقتصاد بلادهم أو دعم المشاريع الانتاجية لشعوبهم، بل لإيداعها في أرصدتهم الشخصية في البنوك الأجنبية وشراء الود السياسي الدولي الذي يلصقهم بكرسي الحكم ولا بأس ان كان الثمن عندهم رهن بلادهم وشعوبهم.
على شاشات الواقع نشاهدهم عبر وسائل الإعلام زاحفين على بطونهم في دهاليز السياسة وغارقين حتى آذانهم في التسول السياسي. لكن التاريخ لن يرحمهم.
الأخبار التي أحاطت وتحيط بالوضع الفلسطيني - الاسرائيلي تبدو لذوي العيون البصيرة حافلة بكل فنون التسول السياسي وما يحصل للجماهير من خلال الخطابات الرئاسية يختلف تماما عما يوقع عليه في الغرف السرية وأوراق اللعبة تحت الطاولة وليس فوقها.
ومعنى ذلك ان الطريق مازال أمامنا طويلا في سبيل ارسال قيم وأخلاقيات من يريدون ويرغبون في ان يلتصقون بكرسي الحكم والى الأبد.
أقول الى كل هؤلاء اتقوا الله في أنفسكم وفي شعوبكم المغلوبة على أمرها.
أيها المعنيون نحن في انتظار صدور القرار المأمول من شعوبنا العربية.