أمينة العلي
يكثر الحديث هذه الأيام عن تطوير البرامج التلفزيونية وخصوصا بعد ان كثرت الفضائيات التي لا تطرح الأزمات إلا لإشعالها أو التسلية بها والتشفي والشماتة، ولم تعد مهة وسائل الإعلام والصحافة هي إيقاظ الوعي وروح التنوير لدى الناس، فقد أصبح الإعلام منحازا تحركه مصالح وأغراض من يملكونه أو ينفقون عليه، ولم تعد مهمته البحث عن الحقيقة وانما خلق حالة من العداء والتوهان وفي ظل هذا التوهان اتجهت العيون ولعبت الأصابع بالريموت في التحويل من محطة الى أخرى، فهذه تعرض أفلام الجنس والجريمة والعنف وتلك تعرض برامج تبالغ في تصوير التحرر وتظهره اغلالا.
يجب ألا يعرض على شاشة التلفزيون حتى نحمي أبناء هذا الجيل من ردود الفعل المخيفة وشاءت الظروف ان أشاهد فيلما على احدى الفضائيات من اسمه توقعت ان أري صورا واقعية وحية للحب وتمنيت ان يخرج أبنائي بعد مشاهدتهم لهذا الفيلم بما يوضح ويعمق وينضج فكرة الحب في أذهانهم فهم شأنهم في ذلك شأن كل الأبناء في مثل أعمارهم يتأثرون بما يعرض أكثر مما يتأثرون بما تحاول الأمهات والآباء الوحي به اليهم.. فنحن في نظرهم مازلنا نمثل السلطة التي يتمردون عليها، والجبر الذي يعيشون معه في صراع خفي أو صريح، أما ما يشاهدونه عبر الفضائيات فهو الفكرة الواقعية والرأي المحايد.
وبدأ عرض الفيلم وتابعته بأعصاب مشدودة ونفس مستنكرة وأنا لا أنقد فنيا - فليس ذلك من اختصاصي ولست أدعي لنفسي هذه المقدرة، ولكنني أحكم عليه من زاوية واحدة وهي عرض مثل هذه الأفلام عبر قنوات تلفزيونية غير مشفرة أمام هذه القطاعات الهائلة من الأنباء في مختلف الأعمار، في سن يجذبهم الفضول الى استكشاف ما يدور في عالم الكبار ومنهم مراهقون يعانون وطأة هذه المرحلة بكل ما فيها من مشكلات وصراعات ويتلهفون لحلول ترضي نفوسهم القلقة وتتجاوب مع آلامهم وأحلامهم.
وكان الوجه الأول للحب الذي يعرض علينا من أعماق مشكلة حاول البعض معالجتها سينمائيا حيث بين المخرج ان الحب جريمة منكرة، فهي تحرق البنات إذا حامت حولهن شبهة الحب، أنا لا أجادل في وجود هذه الصورة في بعض أجزاء الوطن العربي التي مازالت بعيدة عن حتمية التطور ولست أتعرض لتقييمها كعمل فني ولست أعارض ان يكون هذا موضوعا للمعالجة السينمائية باعتبارها واقعا، وإن قل فهو موجود، ولكنني أتساءل عن الإثارة النفسية أو التربوية التي يمكن ان يحصل عليها مشاهدو الشاشة الصغيرة وهم - كما أكرر - مختلفون كل الاختلاف عن جمهور السينما الذي يذهب للمشاهدة باختياره، وهم في غالبية الأحوال من الأبناء الذين تجذبهم أكثر ما تجذبهم في البرامج التلفزيونية مثل تلك الأفلام.. ورغم ما لمحته على وجوه أبنائي من انفعالات الدهشة والألم والقلق ورغم يقيني بان الأثر في أعماقهم كان أعنف وأقوى ورغم المخاوف التي ساعدتني على ان تترسب هذه الآثار في نفوسهم وان تترك بصماتها على فكرة الحب في أذهانهم فتشوهها وتزيفها، فقد كان لدي أمل كبير في ان يخلعهم الوجه الآخر للحب من بعض هذه الآثار وان يتدرج بهم ليبرز لهم الحب بمعناه الحقيقي، الحب في الإطار الاجتماعي المستمد من واقعهم وفجأة ينقلنا الفيلم نقلة سريعة مباغتة من أعماق مجتمع متخلف يحاسب البنت على أقل الأشياء الى مجتمع متحرر كل التحرر لا حدود لانطلاق أفراده من الجنسين وجمهور السينما قد يرى في ذلك محاولة لاظهار المتناقضات الموجودة في المجتمع لكن جمهور الشاشة الصغيرة من الفتيان والفتيات من المراهقين والمراهقات لا يتجه تفكيره لكل ذلك ولكنه يتأثر بالصورة المعروضة ويقارن سريعا بين ما يرى والواقع الذي يعيشه، والفيلم في أحداثه لا يساعد على بلورة فكرة التناقض ولكنه يصور وجها للحياة وللحب لا يعرفه الا قطاع صغير من قطاعات المجتمع ولا نحب لأبنائنا نحن قطاعات الأكثرية ان تتمثل بهذه الفئة التي فهمت من التحرر جانبا واحدا، وهو التحرر في المظهر في ان ترتدي الفتيات ما يعري صدورهن وسيقانهن وان يدخن السجاير والشيشة ويراقصن الشباب وقد التصقت الخدود والأجسام، والسؤال هنا ما الهدف من وراء عرض هذه الصورة الصارخة التي تتعارض مع كل ما تدعو اليه من قيم ومبادئ.