أمينة العلي
الدين والثقاقة والعادات والتقاليد مكونات اساسية لتحديد هوية اي مجتمع وهي تساهم في ارساء مبادئ الاخلاق التي تحكم العلاقات داخل اي مجتمع.
قرأت كتابا للاديب والكاتب الكبير طه حسين، ومن خلاله فهمت ان الثقافات المحلية سبقت ظهور الاديان بسنوات طويلة، ولما جاءت الاديان عصفت بجوانب كثيرة من هذه الثقافات وتغيرت العادات والتقاليد التي توارثتها الاجيال على مر الزمان قبل ظهور الاسلام كانت ظاهرة وأد البنات منتشرة في الجزيرة العربية، ولكن بعد انتشار الدين الاسلامي اختفت هذه الظاهرة.
في العصر الحديث تتحكم الاسباب السياسية في تدعيم هوية المجتمع، حيث ذكر الاستاذ طه حسين في كتابه ان اسرة بهلوي في ايران حكمت ايران واستمرت في الحكم اكثر من نصف قرن، وكان نظام حكمهم قوميا، اي انهم كانوا يفضلون القومية الايرانية على الهوية الدينية في ايران، لكن عندما جاءت الثورة الخومينية جاءت بالعكس، وأصبح الحكم في ايران تحكمه الشريعة الاسلامية، والشيء نفسه حدث في تركيا التي تحولت من دولة تحكمها الشريعة الاسلامية الى دولة علمانية تسعى للانتماء الى المجتمع الاوروبي.
امثلة كثيرة تنطبق على كثير من البلاد سواء في العالم العربي وايضا دول العالم الثالث، واغلب هذه الدول تصب سياستها في اطار المناورات السياسية للحكم وحسب مصالحها، ومصالح الدول العظمى التي لها مصلحة اساسية في خلق الاضطرابات والتقلبات التي يشهدها العالم الاسلامي.
بعض الدول العربية، وبالاخص منطقة الجزيرة العربية تمتعت بحضارة مميزة، حضارة تعتبر الاولى في تاريخ البشرية، وعندما جاءت الاديان السماوية بعد آلاف السنين من قيام هذه الحضارة جاءت الاديان السماوية ملائمة ومتسقة تماما مع ثقافة وحضارة اهل هذه المنطقة الذين ارتأوا هذه المفاهيم وامعنوا التفكير فيها، فكانوا متدينين بالفطرة والطبيعة قبل نزول الرسالات السماوية التي ما ان ظهرت وانتشرت حتى امتزجت على الفور وبقوة مع تراث هذا الشعب.
لكن في الوقت الحاضر بالذات نرى الكثيرين يلعبون على هذا الوتر الحساس، فهم يتسترون خلف عباءة الدين ويحللون ويحرمون ما شاءوا دون مراعاة لضمائرهم ولمصلحة البلاد.
شهر رمضان الكريم على الابواب اهلا بك يا شهر الصوم والعبادة، اهلا بشهر له طقوس وعادات وتقاليد، شهر رمضان هو شهر الغسيل من كل الذنوب والتطهير من كل الخطايا، اهلا بك سنستقبلك ان شاء الله كما تعودت وتعودنا بكل الحب والترحاب، وسنعيش بك ومعك ولك بكل الرضا والسماحة وسنودعك بكل الحزن والشوق، آملين عودتك الينا من جديد.
أهلا بك يا شهر المغفرة رغم محاولة البعض تصويرك على انك عبء علينا، صيام في الحر وغلاء في المأكل والمشرب وطوفان من المسلسلات المزعجة غير الهادفة.
لا شك في اننا نعرف ان الصيام في الحر ثوابه اكبر واكثر ومضاعف، يعني هل سيأتي علينا يوم ونرى ان الصيام في هذا الشهر الفضيل ستتحكم فيه قوى سياسية ويتقلب الحال بنا من سيئ الى اسوأ، لا يستطيع احد ان يشعر بالراحة والسعادة اكثر من ان يؤدي العبادة في مشقة، حيث يشعر الانسان بإحساس غريب من الراحة، نعم تكون المشقة احيانا هي منتهى الراحة.
أتمنى من الله عز وجل ان نحافظ على ما تبقى لنا من عادات وتقاليد رمضانية توارثناها عبر الاجيال، ونعمل بها في هذا الشهر الجميل، وألا تتحكم القوى والافكار السياسية في محو هوية تقاليد وعادات رمضانية على وشك النسيان، وألا نخلط ديننا بالسياسة، ولا نخلط السياسة بالدين.