أمينة العلي
سألتني ابنتي ماذا أعرف من معلومات عن العالمة «مدام كوري» وطلبت مني مساعدتها في عمل بحث عن هذه العالمة التي لقبت بالتلميذة الخالدة، وبعد البحث عثرت على قصة كتبتها ابنة مدام كوري إيف كوري وترجمها الصحافي الكبير الاستاذ أحمد الصاوي، قرأت القصة التي شدتني بقوة وأود أن أطرح مختصرا لما قرأته فيها، كانت الحياة قاسية جدا على البولونية الصغيرة «مانيا سكلودفسكي» الحياة كانت مسرفة في قسوتها عليها، بلادها مستعمرة، فهي نهبت من ثلاث دول (النمسا وألمانيا وروسيا القيصرية آنذاك) وأبوها مدرس مادة الطبيعة يضطر إلى ترك عمله فيجعل بيته فندقا صغيرا يقيم فيه بعض الطلبة ليستطيع مواجهة الحياة الشاقة لأسرته.. الموت يختطف كبرى بناته بعد أن انتقلت إليها عدوى مرض التيفوس من أحد الطلبة المقيمين في بيتهم والسل يقضي على أم مدام كوري وبذلك تفقد كوري أعز ما تملكه طفلة رقيقة المشاعر.
ومع كل هذه الظروف لم تيأس البولونية الصغيرة فانتقلت إلى الريف بعد إنهاء دراستها الثانوية لتعمل مربية كي تساعد أختها على مواصلة دراستها في باريس ثم بعد فترة رحلت هي الأخرى إلى مدينة النور من أجل العلم، وهناك عاشت عيشة صعبة تقيم في غرفة صغيرة على السطح لا تدفع عنها حرا ولا تحميها من البرد، لا هم لها إلا البحث والدرس تجوع وتفتقد الكساء ويغمى عليها وتمرض ومع ذلك فهي دائما متفوقة والأولى في ليسانس الطبيعة سنة 1893 والثانية في ليسانس الرياضيات سنة 1894 وتلتقي بشقيق روحها وفكرها بيروكوري، ويتزوجان وبذلك يصبح اسمها مدام كوري بدلا من مانيا سكلودفسكي، ويكتشف العالمان الشابان «الراديوم» ومع ذلك فقد ظلا يعيشان عيشة الكفاف لم تعرف لهما فرنسا فضلهما إلا بعد أن عرفته انجلترا والسويد ونالا جائزة نوبل سنة 1903.
وعندما مات زوج مدام كوري بيركوري تحت عجلات إحدى عربات النقل في باريس سنة 1906 حلت مكانه في جامعة السربون وفي سنة 1911 نالت جائزة نوبل للمرة الثانية وعندما اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى أعطت مدام كوري كل جهدها لعلاج الجرحى، وتبرعت بكل ما تملك من مال وعرفت الدنيا المتقدمة فضلها فاستقبلتها أميركا أعظم استقبال وكذلك فعلت انجلترا والسويد، وفي 4 يوليو سنة 1934 ماتت مدام كوري متأثرة بإشعاع الراديوم.
عاشت حياة حافلة بالكفاح والعمل من اجل العلم والإنسان، أما قصة هذا الكفاح الرائع والعمل العظيم فهو ما قرأته في هذه القصة الرائعة.
والسؤال الذي يدور في ذهني الآن هو هل من الممكن ان يكون بيننا شبيه لمدام كوري؟ اعتقد ان الكثيرين من الأبناء والآباء والأمهات الواعين يرحبون بقراءة هذه القصة العظيمة ،ويمكننا ان نعتبر هذا الكتاب القيم عرضا وافيا، فهل لو قام أولادهن بقراءة مثل هذه الكتب سيستفيدوا من تجاربها هذا هو السؤال الذي يجول في ذهني وخاطري؟ انني أتمنى أن يتعرف أبناؤنا من الأجيال الجديدة على حياة عالم عربي يكون قد انطلق بعروبته إلى العالمية فهل نرى المزيد من علمائنا من الشباب يكملون مسيرة مشرفة؟ لن يكون ذلك إلا بتذليل ما يواجههم من عقبات ولعلنا نستفيد مما يحدث الآن.