سألتني صديقتي ونحن جالسات لتناول العشاء: ألا يمكن الجمع بين حسنات الحضارة وحسنات التخلف؟ أجبتها بأنها المعادلة الصعبة التي لم يستطع العقل البشري رغم وصوله الى اعلى المستويات ان يصل الى حلها حتى الآن.
لست ادري في الواقع مدى ما يحمله هذا الرأي من صحة، فالتفاؤل من حسنات الحضارة والتشاؤم من حسنات التخلف، كلاهما مجرد تكهن بما يحتمل ان يكون اليوم مختفيا بين طيات العتب، لأن الواضح امامي ان ثورة الشباب في كل مكان قد بدأت تأخذ شكلا مدمرا، ولاول مرة ارى في الاعوام الماضية والحالية شعارات تهيب بالشباب الى ان يسلكوا سبيل العصيان في الفترة الاخيرة بشكل لا محدود، واصبح الفتى (او الفتاة) يعتبر ان واجبه الاول هو ان يتنكر لكل ما يؤمن به مربوه من قيم ومبادئ، سواء كان مقتنعا بها في قرارة نفسه او غير مقتنع، والاهل في موقف لا يحسدون عليه، فهم يرون امامهم ابناءهم الاعزاء يحترقون بلهب موضة العصيان المنتشرة في كل الطبقات، ومع ذلك يجدون انفسهم في كثير من الاحيان مضطرين الى السكوت والرضا على مضض خوفا من نتائج تدخلهم.
واثناء حديثي مع صديقتي سألتني عن الاسباب التي ساهمت في تجمعات الشباب بهذه الصورة الوبائية؟ وكان رأيي هو ان من اهم هذه الأسباب الاسراف في تحرير الابناء من توجيه والديهم بدعوى اعطاء شخصياتهم الفرصة للتكوين من دون ضغوط او مؤثرات، وهو الاسلوب التربوي الذي استحدثته المجتمعات الغربية وانتقل الينا خلال السنوات الاخيرة مضافا اليه التفكك الاسري الشائع في المجتمعات المتحضرة، وقلت فيما قلت لصديقتي اننا في المجتمعات النامية مازلنا بعيدين بعض الشيء عن الاساليب التربوية الحديثة والتي تسود المجتمع الغربي، ولذلك لم يفقد الكبار سلطتهم في توجيه الصغار، فنحن مازلنا نلزمهم بسلوك السبيل الذي نراه محققا الخير لهم، لكن في المجتمع الغربي ورغم تقليدنا الاعمى لهم فإن المستوى الحضاري الذي وصلوا اليه يحرر الصغار من سلطة الكبار في مرحلة مبكرة، فسلطة الاهل على الابناء تقوم عادة على اساس اقتصادي وهو احتياج الابناء الى نقود الآباء في تصريف امور حياتهم.
ولكن العمل اصبح اليوم متاحا لفتيات وفتيان الجيل الصاعد، واذا ضيق الاهل الخناق عليهم بقصد تقويمهم فليس اسهل من ان يترك الابن (او الابنة) البيت ويرحل عن اسرته، ولقد احدثت هذه الهزة الهائلة اثرا جذريا في المجتمع الغربي المتمثل في شخصية الشباب دفعهم الى صب نقمتهم على التقاليد الموروثة التي صنعها الكبار ولم يستطيعوا بها ان يحققوا الآمال المتجددة بتجدد الزمن.
وأخيرا، كل ما أخشاه هو ان نصل من خلال وضعنا الحالي الى طريق مسدود قد ينتهي بنا الى عدم التفكير بأفق واسع يتيح لنا تلافي الاخطاء ونقاط الخلاف.
[email protected]