على مدى يومين متتاليين التقيت بالصدفة مع معلمات من بعض المدارس، وطبعا لابد عند لقاء كهذا أن يفتح ملف التربية والتعليم ومناقشة المواضيع المختلفة، والتي تمر على أسرة المدرسة خلال يومها الشاق، ومن خلال ذلك اكتشفت أن أكبر مشكلة تمر بها الإدارة كما أوضحن لي، عندما تقوم بعض وليات الأمر بإعاقة تنفيذ قانون تربوي صارم يتخذ بعد حدوث ظاهرة سلبية أو فعل فردي غير أخلاقي، وذلك للحفاظ على النظام، وحماية الطالبات من أمور تضرّ بهن وبمجتمعهن، قد يرتكبنها عن جهل أو إغواء خارجي، خاصة مع المشاهد السلبية الخارجية الكثيرة، التي تحفز بعض المراهقين والمراهقات على اتباعها وتقليدها ومن ثم إدمانها!
بعض الأمهات يخطئن في ردود أفعالهن، حينما تبلغهن الإدارة ـ مثلا ـ بشكوى ضد بناتهن، وتظن أن هذا الأمر يشير إلى سوء تربيتها أو تقصيرها في أداء واجبها تجاه ابنتها، بينما الأمر يستدعي وقفة مواجهة، واهتماما كاملا بالقضية والتي تخص فلذة كبدها ومستقبلها القادم، فالعلاج لابد أن يكون من طرفين مسؤولين، يواجهان المشكلة بحكمة وذكاء عاطفي، فعندما تقرر الإدارة المدرسية أمرا ما، أو تستدعي ولية أمر للاطلاع على فعل غير تربوي أو أخلاقي قد صدر من ابنتها، فهذا لا يعني أنه يشير إلى خلل في تربية الأم، ولذا من صالح هذه الأم معرفة كيف تتصرف ابنتها خارج البيت، ومع زميلاتها ومعلماتها في هذا المجتمع التربوي الصغير، فالطالبة داخل المدرسة هي إنسانة أخرى غير ما تعتقده أغلب الأمهات، وهذا أمر طبيعي فعندما تختلف الرقابة أو تغيب فإن تصرفات البعض منهن تتغير مائة وثمانين درجة، وليست غالبيتها سلبية.
في بعض الأحيان عندما تكون الرقابة الداخلية التي نزرعها في أبنائنا وبناتنا هي الحاضرة في تصرفاتهم، فيمنحهم ذلك الثقة الكبرى في أنفسهم، ويصبح كل واحد منهم الوجه الحقيقي لنفسه، فمثلما العناية الزائدة عن الحد تقلل من اعتمادهم على أنفسهم، فإن ترك الحبل على الغارب وإهمال الجانب التربوي والديني في تربية الأبناء هو الخطر الآخر، فنحن حينما نربي أبناءنا، لا نربيهم فقط لنجعلهم واجهة لأنفسنا، ولكن أيضا لنحقق لهم الاستقرار النفسي والاجتماعي، ليواجهوا حياتهم القادمة، لأنهم هم من سيصنعون مستقبلهم، وسيربون الجيل الآخر من بعدنا، لذلك حينما نواجه الأمور بشجاعة قبل أن تكبر، ونتعاون مع أسرتنا التربوية، فإننا بذلك نصنعه لصالح أبنائنا وبناتنا، فجرح صغير وألم ساعة، أهون من جرح عميق يؤلم لسنوات.
[email protected]