كنت أشاهد مشهدا من فيلم، عندما دخلت امرأة على الطبيب تطلب منه أن يدخل زوجها للمستشفى، لأنه لم يعد قادرا على الاعتماد على نفسه لكبر سنه ومشكلة الخرف التي ابتلي بها مع مرضه، ثم نظر إليها الطبيب بعد أن انتهت من حديثها نظرة إنكار، فسألها بهدوء: حياة من التي ستقررين مصيرها؟.. فشاحت بنظرها عنه وردت: حياة زوجي. فقال: وهل يحق لك أن تحددي أنت مصير حياته، من أجل راحتك وسعادتك؟!
عندما سمعت جملته الأخيرة التي أيقظت علامات الاستفهام في نفسي، استرجعت بعض الصور الذهنية لمواقف كثيرة مرت بحياتنا الاجتماعية، تدخل فيها البعض بقراراتهم الشخصية، لتحديد مصير ومستقبل أشخاص آخرين، بحكم الوصاية والولاية والمنصب وغير ذلك، دون أدنى شعور بالذنب.
فعندما يقرر أب لأبنائه اتجاها معينا لدراستهم، ليحقق أحلامه الشخصية ورغباته، أو تختار أم لولدها زوجة طبقا للمواصفات التي تريدها، أو من إحدى قريباتها، لتسد أمامه باب الاختيار الحر، أو يتدخل مسؤول بنقل موظف إلى قسم آخر حتى لا يكون منافسا لغيره، فهذه كلها ليست سوى صور من الأنانية الخطيرة، والتي يتحدد فيها مصير ومستقبل غيرهم، من دون أدنى إحساس بالطرف الآخر.
تقول لي صديقتي: ان لها أختا ترملت في سن صغيرة، وقامت بتربية ولديها حتى تخرجا من الثانوية العامة، والتحق كل واحد منهما بكليته، فقررت الزواج وإنهاء المعاناة التي لا يعلم بها سوى ربها، خاصة بعد أن تقدم لها زوج مناسب لسنها، تقول صديقتي: المصيبة ان إخواني الذين يعيشون بين زوجاتهم وقفوا أمامها، وردوا الخاطب وأسمعوها الكثير من الكلام الذي يجرح المشاعر، وأن عليها أن تكمل مسيرة الوحدة والصبر، وردت مكسورة الخاطر تمسح دموعها المنهمرة. وأخرى قالت لي: أنا وأختي توأمان، ولكنني كنت ناجحة في حياتي الدراسية، وهي لا.. وعندما انتهيت من دراستي في إحدى كليات «التطبيقي»، أجبرني أبي على أخذ دورة لمدة سنة باسم أختي، لأعطي الشهادة لها لأنها لم تتخرج بعد من الثانوية، وكنت كل يوم أذهب فيه إلى الدورة، تتحطم فيّ أشياء كثيرة، أولها ان اسمي لم يعد اسمي، وعلي أن أكون هي لا أنا، وحتى عندما صارت لي صديقات اضطررت أن أقطع علاقتي بهن بعد أن انتهيت من الدورة، وأنا في أشد الألم والحسرة على ذلك.
هاتان صورتان لا تحتاجان مني إلى تعليق، لأن رسالة كل واحدة منهما واضحة، ولكن السؤال الذي يجب أن نضعه أمامنا كل يوم حينما نكون مسؤولين، وأمناء، وأولياء أمر، وأوصياء على من حولنا من أبنائنا أو أخواتنا أو مجتمعنا ككل.. هل اتقينا الله في قراراتنا وتحديد مصير حياتهم؟
[email protected]