كنت في جولة مع صديقتي في بعض المكتبات الخاصة، عندها أخبرتني أنها بصدد طباعة كتابها الأول عن قراءة في ملامح الوجه، ولأنني خضعت للاختبار من جانبها والتحليل لسماتي الشخصية، من دون أن أدري ولا أطلب منها ذلك، لسبب بسيط وهو أن الوجه هو واجهة الإنسان الأولى والأهم ويتعرف علينا الآخرون من خلاله، لذلك فرحت كثيرا لخطوتها تلك، وتمنيت لها التوفيق من كل قلبي والارتقاء في علمها هذا.
وبينما كنا في إحدى المكتبات المفضلات لدي، والتي تقع في مكان غير إستراتيجي يهضم حقها به، نقلب الكتب بحثا عن موضوع جديد، وعنوان مثير، حقق أعلى مرتبة في المبيعات في العالم كالعادة، قال لنا صاحب المكتبة: هل تعلمان أنني لا أجني من بيع الكتب أي فائدة مالية، فنحن شعب لا يقرأ، ولو وجدت هذه المكتبة في دول تقدر معنى الكتاب وما يسهر عليه بعض المؤلفين حتى يأتوا بثمرة علمهم أو تجاربهم أو إلهامهم الأدبي لاختلف الأمر. قلت له: لربما يكون وضع مكتبتك المادي أفضل لو كانت في مكان جيد وقريب من تواجد الناس، فأنا شاهدت كيف المكتبة المقابلة لمقاهي ومطاعم بحمدون في لبنان، يزدحم عندها الخليجيون لدرجة أن العاملين بها لا يدرون على من يجيبون؟ قال: هذا لأن الناس في إجازة، ويمكنها التصفح باستمتاع. فاقترحت عليه أن يوسع من أنشطة مكتبته، حتى يتمكن المشتري من أن يحصل على فائدتين أو أكثر خلال تجواله في هذه المكتبة، لكنه تأسف لذلك، لأن المكان لا يخدمه بتاتا.
بعدها خرجت أنا وصديقتي والتي استأنفت الحديث معي عن نفس هذا الموضوع، وقالت لي بتعجب: (هناك).. يقدر الآخرون قيمة الكتاب وكل علم جديد، وقد يصبح المؤلف في يوم وليلة من الأغنياء بسبب بيع كتابه، أما هنا فشعوب لا تقرأ ولا ينتظر أحدنا أن يربح من قيمة كتاب قام بطباعته.
قلت لها: هل تصدقين أنني اشتريت كتابا من مكتبة في حمانا عندما كنت في لبنان الصيف الماضي، أخبرني البائع بأن مؤلفه بنى بيتا من مدخوله المادي، وأصبح ثريا بسبب الطلب المستمر على الكتاب، رغم النقد الشديد عليه في الصحف العربية، لدرجة منعه، وهو لا يرى أن الضجة التي قامت بسببه لها داع، فالكتاب لا يوجد فيه ما يستدعي منعه وقد قام بقراءته كما يقول وكان عاديا جدا، لذلك اشتريته لأرى سخافة بعض النقاد، وقضية المنع من الرقابة. عندها ابتسمت صديقتي وقالت صحيح؟ وما هذا الكتاب؟ قلت لها: الكتاب باختصار.. عندما تبدئين بقراءة أول صفحة من صفحاته تلتفتين بخوف شديد يمنة ويسرة، لتتأكدي من أن أحدا لا يراك وأنت تمسكين به، ثم تتجهين إلى أقرب حاوية.. فتخافين لو وقع بيد عامل النظافة الذي تترحمين على حاله، ثم تتخذين قرارا أخيرا بحرقه بعيدا عن أهل بيتك، هذا مضمون الكتاب باختصار، حقيقة شيء مؤسف ومضحك للغاية. عندها غيرنا من اتجاه سيرنا ونزلنا في مطعم مريح وهادئ، يقدم بوفيها منوعا من الطبخ العربي وغيره، تستقبلك رائحته منذ أن تدلف من الباب، بعيدا عن رائحة الكتب التي أحبها أكثر من هذا كله.
[email protected]